بحوث
هنا عدّة نقاط يجب أن نتوقف عندها ونلتفت إليها :
١ ـ يبدأ القرآن الكريم بأحاديث أهل النّار مع أهل الجنّة بلفظة (ونادى) التي تستعمل عادة للتخاطب من مكان بعيد ، وهذا يفيد بأنّ بين الفريقين فاصلة كبيرة ومع ذلك يتمّ هذا الحوار ويسمع كل منهما حديث الآخر ، وهذا ليس بعجيب ، فلو أن المسافه بلغت ملايين الفراسخ لأمكن أن يسمع كل واحد منهما كلام الآخر ، بل ويرى ـ في بعض الأحيان ـ الطرف الآخر.
ولو كان القبول بهذا أمرا متعذرا أو متعسرا في الماضي ، وكانت تشكل مشكلة بالنسبة إلى السامعين ، فإنّه مع انتقال الصوت والصورة في عصرنا الحاضر من مسافات بعيدة جدا انحلّت هذه المشكلة ، ولم تعد الآية موضع تعجب وغرابة.
٢ ـ إنّ أوّل طلب يطلبه أهل النّار هو الماء ، وهذا أمر طبيعي ، لأنّ الشخص الذي يحترق في النّار المستعرة يطلب الماء قبل أي شيء حتى يبرد غليلة ويرفع به عطشه.
٣ ـ إنّ عبارة (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) التي هي عبارة مجملة ، وتتسم بالإبهام ، تفيد أنّه حتى أهل النّار لا يمكنهم أن يعرفوا بشيء من حقيقة النعم الموجودة في الجنّة وأنواعها. وهذا الموضوع يتفق وينسجم مع بعض الأحاديث التي تقول : (إنّ في الجنّة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر).
ثمّ إنّ عطف الجملة بـ «أو» يشير الى أنّ النعم الاخروية الأخرى وخاصّة الفواكه يمكنها أن تحلّ محل الماء وتطفئ عطش الإنسان.
٤ ـ إنّ عبارة (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) إشارة إلى أهل الجنّة بأنفسهم ، ليسوا هم الذين يمتنعون عن إعطاء شيء من هذه النعم لأهل النّار ، لأنّه لا يقلّ منها شيء بسبب الإعطاء ، ولا أنّهم يحملون حقدا أو ضغينة على أحد في