وقد زعم البعض أنّ هذه الآيات تدلّ على ما جاء في مذهب الجبر الفاسد ، وذلك عند ما اعتبروا (ما) في عبارة (ما تَعْمَلُونَ) (ما) المصدرية ، وقالوا : إنّ هذه الآية تعني أنّ الله خلقكم وأعمالكم ، وبما أنّ أعمالنا هي من خلق الله ، فإنّنا لا نمتلك الإختيار ، أي إنّنا مجبرون.
هذا الكلام لا أساس له من الصحّة لعدّة أسباب :
أوّلا : كما قلنا فإنّ المراد من (ما تَعْمَلُونَ) هنا ، هي الأصنام التي كانوا يصنعونها بأيديهم ، وليست أعمال الإنسان ، ومن دون أي شكّ فإنّهم كانوا يأخذون المواد من هذه الأرض التي خلقها الله ، وينحتونها بالشكل الذي يروق لهم ، ولهذا فإنّ (ما) هنا هي (ما) الموصولة.
ثانيا : إذا كان مفهوم الآية كما تصوّر أولئك ، فإنّها تكون دليلا لصالح عبدة الأصنام ، وليس ضدّهم ، لأنّهم يستطيعون القول : صناعة الأصنام وعبادتها إنّما هو من خلق الله ، ونحن في هذه الحالة لسنا بمذنبين.
وثالثا : على فرض أنّ معنى الآية هو هكذا ، فليس هناك دليل على الجبر ، لأنّه مع الحرية والإرادة والاختيار فإنّ الله هو خالق أعمالنا ، لأنّ هذه الحرية والإرادة والقدرة على التصميم وكذلك القوى البدنية والفكرية الماديّة والمعنوية لم يعطها غير الله؟ إذا فالخالق هو ، مع أنّ الفعل هو باختيارنا نحن.
٢ ـ هجرة إبراهيم عليهالسلام :
الكثير من الأنبياء هاجروا خلال فترة حياتهم من أجل أداء رسالتهم ، ومنهم إبراهيم الذي استعرضت آيات مختلفة في القرآن المجيد قضيّة هجرته ، ومنها ما جاء في سورة العنكبوت الآية (٢٦) (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
في الحقيقة ، إنّ أولياء الله عند ما كانوا يتّمون مهام رسالتهم في إحدى المناطق ،