وهناك احتمال آخر لتفسير هذه العبارة ، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى داود منطقا قويّا يدلّل على سمو وعمق تفكيره ، ولم يكن هذا خاصّا بالقضاء وحسب ، بل في كلّ أحاديثه.
حقّا ، ليس من المفروض أن ييأس أحد من لطف الله ، الله الذي يستطيع أن يعطي الإنسان اللائق والمناسب كلّ تلك القوّة والقدرة. وهذه ليست مواساة للنبي الأكرم والمؤمنين في مكّة الذين كانوا يعيشون في تلك الأيّام تحت أصعب الظروف وأشدّها ، بل مواساة لكلّ المؤمنين المضطهدين في كلّ مكان وزمان.
* * *
بحث
الصفات العشر لداود عليهالسلام :
ذكر بعض المفسّرين من الآيات محلّ البحث عشر مواهب إلهيّة عظيمة كانت لداود عليهالسلام تعكس مقام هذا النّبي ومنزلته العظيمة من جهة ، وتعكس خصائص الإنسان الكامل من جهة اخرى :
١ ـ الله سبحانه وتعالى يأمر نبي الإسلام والرحمة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم رغم مكانته العالية بأن يتّخذ من داود أسوة له في تحمّل الصبر (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ).
٢ ـ القرآن وصف داود بالعبد ، وفي الحقيقة أنّ أهمّ خصوصية لداود هي عبوديته لله ، قال تعالى : (عَبْدَنا داوُدَ) ونقرأ شبيه هذا المعنى بشأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مسألة المعراج (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ ...) (الإسراء ـ ١).
٣ ـ امتلاكه للقدرة والقوّة (في طاعة الباري عزوجل والاحتراز عن ارتكاب المعاصي وحسن تدبيره لشؤون مملكته) (ذَا الْأَيْدِ) وجاءت أيضا بشأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ). (١)
__________________
(١) الأنفال ، ٦٢.