٢ ـ السدود من الأمام والخلف
طرح بعض المفسّرين هذا السؤال ، وهو أنّ المانع الأساسي من استمرار الحركة هو السدّ الذي يكون أمام الإنسان ، فما معنى السدّ من الخلف؟
وأجاب بعضهم قائلا : «إنّ الإنسان له هداية فطرية ووجدانية ـ وهداية نظرية استدلالية ـ فكأنّه تعالى يقول : (جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا)» أي : حرمناهم من سلوك سبيل الهداية النظرية وجعلنا (مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) أي : منعناهم من العودة إلى الهداية الفطرية (١).
وقال البعض الآخر : انّ السدّ من بين أيديهم إشارة إلى الموانع التي تمنعهم من الوصول إلى الآخرة وسلوك طريق السعادة الخالدة ، وأمّا السدّ من خلفهم فهو الذي يصدّهم عن تحصيل السعادة الدنيوية (٢).
كذلك يحتمل التّفسير التالي أيضا ، وهو إنّ السالك إذا انسدّ الطريق الذي قدّامه فقد فاته المقصد ولكنّه يرجع ليبحث عن طريق آخر يوصله إلى المقصد ، فإذا أغلق الطريق من خلفه ومن قدّامه فسوف يكون محروما من الوصول إلى المقصد حتما.
وفي الثنايا يتّضح الجواب أيضا على السؤال التالي : وهو لماذا لم يذكر السدود عن اليمين والشمال؟ ذلك لأنّ الإنسان لا يصل إلى المقصد الذي أمامه بالسير يمينا أو شمالا ، إضافة إلى أنّ السدّ عادة يبنى في مكان يكون طرفاه الأيمن والأيسر مغلقين ، والممر الوحيد هو مكان السدّ الذي ينغلق هو الآخر بوجوده ، فيكون الإنسان في حصار كامل عمليّا.
٣ ـ الحرمان من السير الآفاقي والأنفسي
هناك طريقان معروفان لمعرفة الله ، الأوّل التأمّل والتفكّر في آثار الله في جسم
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي الكبير ، تفسير الآيات مورد البحث مجلّد ٢٦ ، ص ٤٥.
(٢) تفسير القرطبي ، تفسير الآيات مورد البحث ، مجلّد ١٥ ، ص ١٠.