و «عدن» بمعنى الاستقرار والثبات ، ومنه سمّي المعدن لأنّه مستقر الجواهر والمعادن. وعليه فإنّ «جنّات عدن» بمعنى «جنّات الخلد والدوام والاستقرار».
على كلّ حال فإنّ هذا التعبير يشير إلى أنّ نعم الجنّة العظيمة خالدة وثابتة ، وليست كنعم الدنيا ممزوجة بالقلق الناجم عن زوالها وعدم دوامها ، وأهل الجنّة ليست لهم جنّة واحدة ، بل جنّات متعدّدة تحت تصرّفهم.
ثمّ تشير الآية إلى ثلاثة أنواع من نعم الجنّة ، بعضها إشارة إلى جانب مادّي وبعضها الآخر إلى جانب معنوي وباطني ، وبعض أيضا يشير إلى عدم وجود أي نوع من المعوّقات ، فتقول الآية : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ).
فهؤلاء لم يلتفتوا في هذه الدنيا إلى بريقها وزخرفها ، ولم يجعلوا أنفسهم أسرى لزبرجها ، ولم يكونوا أسرى التفكير باللباس الفاخر ، والله سبحانه وتعالى يعوّضهم عن كلّ ذلك ، فيلبسهم في الآخرة أفخر الثياب.
هؤلاء زيّنوا حياتهم الدنيا بالخيرات ، فزيّنهم الله سبحانه وتعالى في يوم تجسّد الأعمال يوم القيامة بأنواع الزينة.
لقد قلنا مرارا بأنّ الألفاظ التي وضعت لهذا العالم المحدود لا يمكنها أن توضّح مفاهيم ومفردات عالم القيامة العظيم ، فلأجل بيان نعم ذلك العالم الآخر نحتاج إلى حروف اخرى وثقافة اخرى وقاموس آخر ، على أيّة حال ، فلأجل توضيح صورة وإن كانت باهتة عن النعم العظيمة في ذلك العالم لا بدّ لنا أن نستعين بهذه الألفاظ العاجزة.
بعد ذلك تلك النعمة الماديّة ، تنتقل الآية مشيرة إلى نعمة معنوية خاصّة فتقول : وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ).
فهؤلاء يحمدون الله بعد أن أصبحت تلك النعمة العظيمة من نصيبهم ، وتلاشت عن حياتهم جميع عوامل الغمّ والحسرة ببركة اللطف الإلهي ، وتبدّدت سحب الهمّ