إلى الإحاطة بالآخرين ، ولكنّه في النهاية يعود على صاحبه ، فهو مفضوح وضعيف وعاجز أمام خلق الله ، وسيندمون حتما أمام الله سبحانه وتعالى ، وذلك هو المصير المشؤوم الذي انتهى إليه مشركو مكّة.
هذه الآية في الحقيقة تريد القول بأنّهم لم يكتفوا فقط بالابتعاد عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل إنّهم استعانوا بكلّ قدرتهم واستطاعتهم لأجل إنزال ضربة قويّة به وبدعوته ، والسبب في كلّ ذلك لم يكن سوى الكبر والغرور وعدم الرضوخ للحقّ.
ختام الآية تهديد لتلك المجموعة المستكبرة الماكرة والخائنة ، وبجملة عميقة المعنى وبكلمات تهزّ المشاعر ، يقول تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) (١).
هذه الجملة القصيرة تشير إلى جميع المصائر المشؤومة التي أحاقت بالأقوام السالفة كقوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم فرعون ، حيث أصاب كلا منهم بلاء عظيم ، والقرآن الكريم أشار مرارا إلى جوانب من مصائر هؤلاء الأقوام المشؤومة والأليمة. وهنا وبتلك الجملة القصيرة جسّد جميع ذلك أمام بصيرة تلك الفئة في مكّة.
ثمّ تضيف الآية لزيادة التأكيد قائلة : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً). فكيف يمكن لله سبحانه وتعالى أن يعاقب قوما على أعمال معيّنة ، ثمّ لا يعاقب غيرهم الذين يسلكون نفس سلوكهم؟ أليس هو العدل الحكيم ، وكلّ ما يفعله بناء على حكمة وعدل تاميين؟!
فإنّ تغيير السنن يمكن تصوّره بالنسبة إلى من يمتلك اطّلاعا أو معرفة محدودة ، إذ يزداد معرفة بمرور الزمان يعرض عن سنّة سابقة ، أو يكون الإنسان عالما ، إلّا أنّه لا يتصرّف طبقا للحكمة والعدالة ، بل طبقا لميول خاصّة في نفسه ، ولكن الله سبحانه وتعالى منزّه عن جميع تلك الأمور ، وسنّته حاكمة على من يأتي كما كانت تحكم من مضى ، ولا تقبل التغيير أبدا.
__________________
(١) «نظر» و «انتظار» تأتي أحيانا لتشير إلى نفس المعنى. كما يقول الراغب.