القرآن الكريم لم يفصّل الحديث بشأن هاتين المسألتين ، إلّا أنّ الدلائل الموجودة في هذه الآيات والروايات الإسلامية الواردة بشأن تفسيرها تقول : إنّ داود كان ذا علم واسع وذا مهارة فائقة في أمر القضاء ، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يمتحنه ، فلذا أوجد له مثل تلك الظروف غير الاعتيادية ، كدخول الشخصين عليه من طريق غير اعتيادي وغير مألوف ، إذ تسوّرا جدران محرابه ، وابتلائه بالاستعجال في إصدار الحكم قبل الاستماع إلى أقوال الطرف الثاني ، رغم أنّ حكمه كان عادلا.
ورغم أنّه انتبه بسرعة إلى زلّته ، وأصلحها قبل مضيّ الوقت ، ولكن مهما كان فإنّ العمل الذي قام به لا يليق بمقام النبوّة الرفيع ، ولهذا فإنّ استغفاره إنّما جاء لتركه العمل بالأولى ، وإنّ الله شمله بعفوه ومغفرته.
والشاهد على هذا التّفسير إضافة إلى ما ذكرناه قبل قليل ـ هو الآية التي تأتي مباشرة بعد تلك الآيات ، والتي تخاطب داود عليهالسلام : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ). وهذه الآية تبيّن أنّ زلّة داود كانت في كيفية قضائه وحكمه.
وبهذا الشكل فإنّ الآيات المذكورة أعلاه لا تذكر شيئا يقلّل من شأن ومقام هذا النّبي الكبير.
٢ ـ التوراة والقصص الخرافية بشأن داود
الآن نتصفّح كتاب التوراة لنشاهد ماذا ذكر فيه عن هذه الواقعة ، لنعثر على الأساس الذي اعتمد عليه بعض المفسّرين الجهلة وغير المطّلعين في تفسير هذه الآيات.
جاء في «التوراة» وفي الكتاب الثاني «اشموئيل» الإصحاح الحادي عشر من الجملة الثانية وحتّى السابعة والعشرين :