فلو كان ادّعاء التوحيد وترك عبادة الأصنام أمرا واقعيّا لكان آباؤنا الذين كانوا بتلك العظمة والشخصيّة قد أدركوا ذلك ، وكنّا قد سمعنا ذلك منهم ، لذا فهو مجرّد حديث كاذب وليست له سابقة.
وعبارة (الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) يحتمل أنّها تشير إلى جيل آبائهم باعتباره آخر جيل بالنسبة لهم ، ويمكن أن تكون إشارة إلى أهل الكتاب وخاصّة (النصارى) الذين كانوا آخر الملل ، ودينهم كان آخر الأديان قبل ظهور نبي الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أي إنّنا لم نعثر في كتب النصارى على شيء ممّا يقوله محمّد ، وذلك لأنّ كتب النصارى كانت تقول بالتثليث ، أمّا التوحيد الذي دعا إليه محمّد فإنّه أمر جديد.
ولكن يتّضح من آيات القرآن الكريم أنّ عرب الجاهلية لم يكونوا معتمدين على كتب اليهود والنصارى ، وإنّما اعتمادهم الأساس كان على سنن وشرائع أجدادهم وآبائهم ، وهذا دليل على صحّة التّفسير الأوّل.
«اختلاق» مشتقّة من (خلق) وتعني إبداء أمر لم تكن له سابقة ، كما تطلق هذه الكلمة على الكذب ، وذلك لأنّ الكذّاب غالبا ما يطرح مواضيع لا وجود لها ، ولهذا فإنّ المراد من كلمة (اختلاق) في الآية ـ مورد البحث ـ أنّ التوحيد الذي دعا إليه هذا النبيّ مجهول بالنسبة لنا ولآبائنا الأوّلين ، وهذا دليل على بطلانه.
* * *
ملاحظة
الخوف من الجديد!
الخوف من القضايا والأمور المستحدثة والجديدة كانت ـ على طول التاريخ ـ أحد الأسباب المهمّة التي تقف وراء إصرار الأمم الضالّة على انحرافاتها ، وعدم استسلامها لدعوات أنبياء الله ، إذ أنّهم يخافون من كلّ جديد ، ولهذا كانوا ينظرون لشرائع الأنبياء بنظرة سيّئة جدّا ، وحتّى الآن هناك امم كثيرة تحمل آثارا من هذا