المجال ، فإنّه لم يكن ينبغي جني الأرباح من وراء ذلك ، وإنّما كان يؤدي واجبا إلهيا ، (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِ) (١).
وتضيف الآية (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها).
على أية حال ، فإنك لست مكلفا بإدخال الحق إلى قلوبهم بالإجبار ، وإنّما عليك إبلاغهم وإنذارهم فقط (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
هذه القاعدة بأنّ كلّ من اتبع طريق الحق عاد بالربح على نفسه ، ومن اتبع سبيل الضلال عاد بالخسارة على نفسه ، تكررت عدّة مرات في آيات القرآن الكريم ، كما أنّه تأكيد على حقيقة أنّ الله غير محتاج لإيمان عباده ولا يخاف من كفرهم ، وكذلك رسوله ، وإنّه لم يدفع عباده إلى عبادته كي يجني من وراء ذلك الأرباح ، وإنّما ليجود على عباده.
قوله تعالى : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) ـ التي وردت فيها كلمة (وكيل) بمعنى الشخص المكلف بهداية الضالين وجعلهم يؤمنون بالله ـ وردت عدّة مرات في آيات القرآن ، وبنفس التعبير أو ما يشابهه ، والغرض من تكرارها هو بيان أنّ الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس مسئولا عن إيمان الناس ، لأنّ أساس الإيمان لا يأتي عن طريق الإجبار ، وإنّه مكلّف بإبلاغ الأمر الإلهي إلى الناس من دون أن يظهر أدنى تقصير أو عجز ، فإمّا أن يستجيبوا لدعوته وإمّا أن يرفضوها.
ثمّ لتوضح أنّ الحياة والموت وكلّ شؤون الإنسان هي بيد الله سبحانه وتعالى ، قالت الآية : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) (٢).
وبهذا الشكل فإن (النوم) يعد شقيق (الموت) لكن بأحد أشكاله الضعيفة ، أي (أشكال الموت) ، لأن العلاقة بين الروح والجسد تصل إلى أدنى درجاتها أثناء
__________________
(١) «بالحق» : من الممكن أن تكون حالا لـ (كتاب) أو للفاعل في (أَنْزَلْنا) ، مع أنّ المعنى الأوّل أنسب ، ولذا فإنّ مفهوم الآية يكون : (إنا أنزلنا عليك القرآن مترافقا بالحق).
(٢) كلمة (توفى) تعني قبض الشيء بالتمام ، كلمة (أنفس) تعني الأرواح. وكلمة (منام) لها معنى مصدري وتعني النوم.