والرحمة ، فإنّها تقصد المشركين الذين ماتوا على شركهم ، وليس أولئك الذين صحوا من غفلتهم واتبعوا سبيل الله ، لأنّ أكثر مسلمي صدر الإسلام كانوا كذلك ، أي أنّهم تركوا عبادة الأصنام والشرك بالله ، وآمنوا بالله الواحد القهار بعد دخولهم الدين الإسلامي.
إذا طالعنا الحالة النفسية عند الكثير من المجرمين بعد ارتكابهم للذنب الكبير ، نرى أن حالة من الألم والندم تصيبهم بحيث لا يتصورون بقاء طريق العودة مفتوحا أمامهم ، ويعتبرون أنفسهم ملوثين بشكل لا يمكن تطهيره ، ويتساءلون : هل من الممكن أن تغفر ذنوبنا؟ وهل أن الطريق إلى الله مفتوح أمامنا؟ وهل بقي خلفنا جسر غير مدمّر؟
إنّهم يدركون معنى الآية جيدا ، ومستعدون للتوبة ، ولكنّهم يتصورون استحالة غفران ذنوبهم ، خاصّة إذا كانوا قد تابوا مرات عديدة من قبل ثمّ عادوا إلى ارتكاب الذنب مرّة اخرى.
هذه الآية تعطي الأمل للجميع في أنّ طريق العودة والتوبة مفتوح أمامهم. لذا فإنّ (وحشي) المجرم المعروف في التأريخ الإسلامي والذي قتل حمزة سيد الشهداء عليهالسلام ، كان خائفا من عدم قبول توبته ، لأنّ ذنبه كان عظيما ، مجموعة من المفسّرين قالوا : إن هذه الآية عند ما نزلت على الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم فتحت أبواب الرحمة الإلهية أمام وحشي التائب وأمثاله!
ولكن لا يمكن أن تكون هذه الحادثة سبب نزول هذه الآية ، ولأن هذه السورة من السور المكّية ، ولم تكن معركة أحد قد وقعت يوم نزول هذه الآيات ، ولم تكن أيضا قصة شهادة حمزة ولا توبة وحشي ، وإنّما هي من قبيل تطبيق قانون عام على أحد المصاديق ، وعلى أية حال فإنّ شمول معنى الآية يمكن أن يشخص هذا المعنى.
يتضح ممّا تقدم أنّ إصرار بعض المفسّرين كالآلوسي في تفسيره (روح