رمضان المبارك كما ورد في الآيات المباركة : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) (٢) و (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (٣).
وفي كلّ هذه الآيات استخدمت عبارة (الإنزال) التي تشير إلى نزوله دفعة واحدة.
ويوجد نزول آخر تمّ بصورة تدريجية استغرقت (٢٣) عاما ، أي طوال فترة نبوّة الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا كانت تنزل في كلّ حادثة وقضية آية تناسبها ، وتنقل بالمسلمين من مرحلة إلى اخرى ليرتقوا سلم الكمال المعنوي والأخلاقي والعقائدي والاجتماعي ، كما ورد في الآية (١٠٦) من سورة الإسراء : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً).
والذي يثير الانتباه ، هو أنّ الكلمتين (تنزيل) و (إنزال) تأتيان أحيانا في آية واحدة للتعبير عن مقصودين ، كما ورد في الآية (٢٠) من سورة محمّد : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ).
فكأن المسلمين يطلبون أحيانا نزول السورة القرآنية تدريجا كي يهضموا محتوياتها بصورة جيدة ، لكن الضرورة كانت تستدعي في بعض الحالات نزول السورة دفعة واحدة ، وخاصة السور التي تتناول مسائل الجهاد في سبيل الله ، لأنّ نزولها التدريجي كان قد يؤدي إلى سوء استغلالها من قبل المنافقين الذين كانوا يتحينون الفرص لبث سمومهم. ففي مثل هذه الحالات ـ كما ذكرنا ـ كانت السورة تنزل دفعة واحدة. وهذا آخر شيء يمكن ذكره بشأن التباين الموجود بين العبارتين ، وطبقا لهذا فإنّ آيات بحثنا أشارت إلى طريقتي النّزول بصورة جامعة
__________________
(١) القدر ، ١.
(٢) سورة الدخان ، ٣.
(٣) سورة البقرة ، ١٨٥.