موسى قبل حادث يوم الزينة خشية من تبدّل دين أهل مصر (١).
خلاصة القول : إنّ هؤلاء يعتقدون أنّ موسى عليهالسلام مجرّد حادث صغير ومحدود ، بينما يؤدي قتله في مثل تلك الظروف إلى أن يتحول إلى تيار ... تيار كبير يصعب السيطرة عليه.
البعض الآخر من المقربين لفرعون ممّن لا يميل إليه ، كان يرغب ببقاء موسى عليهالسلام حيا حتى يشغل فكر فرعون دائما ، كي يتمكن هؤلاء من العيش بارتياح بعيدا عن عيون فرعون ، ويفعلون ما شاؤوا من دون رقابته.
وهذا الأمر يعبّر عن «سليقة» في بلاط السلاطين ، إذ يقوم رجال الحاشية ـ من هذا النوع ـ بتحريك بعض أعداء السلطة حتى ينشغل الملك أو السلطان بهم ، وليأمنوا هم من رقابته عليهم ، كي يفعلوا ما يريدون!
وقد استدل فرعون على تصميمه في قتل موسى عليهالسلام بدليلين ، الأوّل ذو طابع ديني ومعنوي ، والآخر ذو طابع دنيوي ومادي ، فقال الأول ، كما يحكي القرآن ذلك : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ).
وفي الثّاني : (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ).
فإذا سكتّ أنا وكففت عن قتله ، فسيظهر دين موسى وينفذ في أعماق قلوب أهل مصر ، وستتبدل عبادة الأصنام التي تحفظ منافعكم ووحدتكم ، وإذا سكتّ اليوم فإنّ الزمن كفيل بزيادة أنصار موسى عليهالسلام وأتباعه ، وهو أمر تصعب معه مجاهدته في المستقبل ، إذ ستجر الخصومة والصراع معه إلى إراقة الدماء والفساد وشيوع القلق في البلاد ، لذا فالمصلحة تقتضي أن أقتله أسرع ما يمكن.
بالطبع ، لم يكن فرعون يقصد من الدين شيئا سوى عبادته أو عبادة الأصنام ،
__________________
(١) ورد في تفسير الميزان عند الحديث عن الآية (٣٦) من سورة الشعراء : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) إنّ الآية دليل على أنّ هناك مجموعة منعت فرعون من قتل «موسى» عليهالسلام إلّا أنّ التدقيق في الآيات الخاصة بقصة موسى تظهر أنّه لم تكن هناك نية لقتله في ذلك الوقت ، وإنّما كان الهدف اختبار النوايا لمعرفة الصادق من الكاذب ، أما التصميم على القتل فقد كان بعد حادثة السحرة وانتصار موسى عليهالسلام عليهم ونفوذ تأثيره في أعماق قلوب أهل مصر ، حيث خشي فرعون العواقب.