وفي هذا الإطار يلاحظ بعض المفسّرين أن فرعون خصص لبناء صرحه مساحة واسعة من الأراضي ، ووظّف في إقامته خمسين ألفا من العمال والبنائين المهرة ، بالإضافة إلى من انشغل بتهيئة وسائل العمل والتمهيد لتنفيذ المشروع ، وكلما كان البناء يرتفع أكثر كلّما ازداد تأثيره في الناس ، وأخذ يجلب إليه الاهتمام والأنظار أكثر ، إذ أصبح الصرح حديث المجالس ، والخبر الأوّل الذي يتناقله الناس ، وفي مقابل ذلك يتناسون قضية انتصار موسى عليهالسلام على السحرة ـ ولو مؤقتا ـ خصوصا مع الأخذ بنظر الإعتبار ذلك الاهتزاز العنيف الذي ألحق بجهاز فرعون وأساط الناس.
ثانيا : استهدف فرعون من خلال تنفيذ مشروع الصرح اشتغال أكبر قطّاع من الناس ، وعلى الأخص العاطلين منهم ، لكي يجد هؤلاء في هذا الشغل عزاء ـ ولو مؤقتا ـ عن مظالم فرعون وينسون جرائمه وظلمه. ومن ناحية ثانية فإنّ اشتغال مثل هذا العدد الكثير يؤدي إلى ارتباطهم بخزانة فرعون وأمواله ، وبالتالي ارتباطهم بنظامه وسياساته!
ثالثا : لقد كان من خطة فرعون بعد انتهاء بناء الصرح ، أن يصعد إلى أعلى نقطة فيه ، ويرمق السماء ببصره ، أو يرمي سهما نحو السماء ، ويرجع الى الناس فيقول لهم : لقد انتهى كلّ شيء بالنسبة لإله موسى. والآن انصرفوا إلى أعمالكم براحة بال!!
أما بالنسبة إلى فرعون نفسه ، فقد كان يعلم أنّه حتى لو ارتقى الجبال الشامخات التي تتطاول في علوها على صرحه ، فإنّه سوف لن يشاهد أي شيء آخر يفترق عمّا يشاهده وهو يقف على الأرض المستوية يتطلع نحو السماء!
والطريف في الأمر هنا أنّ فرعون بعد قوله : (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) رجع خطوة إلى الوراء فنزل عن يقينه إلى الشك ، حيث قال بعد ذلك : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) إذ استخدم تعبير «أظن»!