لقد قرأنا سابقا أنّ فرعون كان يقول : إنّ ما أقوله هو طريق الرشد والصلاح ، إلّا أنّ مؤمن آل فرعون أبطل هذا الادّعاء الفارغ ، وأفهم الناس زوره ، وحذرّهم أن يقعوا فريسة هذا الادّعاء ، إذ أنّ خططه ستفشل وسيصاب بسوء العاقبة ، فالطريق هو ما أقوله ، إنّه طريق التقوى وعبادة الله.
ثم تضيف الآية : (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ).
يريد أن يقول لهم : لنفرض أنّنا انتصرنا ببذل الحيل والتوسّل بوسائل الخداع والمكر ، وتركنا الحق وراء ظهورنا ، وارتكبنا الظلم وتورطنا بدماء الأبرياء ، ترى ما مقدار عمرنا في هذا العالم؟ إنّ هذه الأيّام المعدودة ستنتهي وسنقع في قبضة الموت الذي يجرنا من القصور الفخمة إلى تحت التراب وتكون حياتنا في مكان آخر.
إنّ القضية ليست فناء هذه الدنيا وبقاء الآخرة وحسب ، بل الأهم من ذلك هي قضية الحساب والجزاء ، حيث يقول تعالى : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ).
إنّ مؤمن آل فرعون ـ بكلامه هذا ـ آثار أولا قضية عدالة الله تبارك وتعالى ، حيث يقاضي الإنسان بما اكتسبت يداه خيرا أو شرّا.
ومن جهة ثانية أشار في كلامه إلى الثواب والفضل الالهي لذوي العمل الصالح ، إنّه الجزاء الذي لا يخضع لموازين الحساب الكمية ، إذ يهب الله تبارك وتعالى للمؤمنين بغير حساب ، ممّا لم تره عين أو تسمعه أذن ولا يخطر على فكر إنسان.
ومن جهة ثالثة أشار للتلازم القائم بين الإيمان والعمل الصالح.
ورابعة يشير أيضا إلى مساواة الرجل والمرأة في محضر الله تبارك وتعالى ،