وواجهتهم بالمنطق والاستدلال ، وأوضحت لهم عاقبة أعمالهم.
فأوّلا تقول : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
فإذا كان عندهم شك في صحة التأريخ المدون على الأوراق ، فهل عندهم شك فيما يلمسونه من الآثار الموجودة على سطح الأرض ، من القصور الخربة للملوك ، والعظام النخرة تحت التراب ، أو المدن التي أصابها البلاء والعذاب وبقيت آثارها شاهدة على ما جرى عليها؟!
فأولئك : (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ). حيث يمكن معرفة عددهم ووقّتهم من آثارهم المتمثلة في قبورهم وقصورهم ومدنهم.
عبارة : (آثاراً فِي الْأَرْضِ) ـ سبق تفسيرها في الآية (٢١) من نفس السورة ـ فلعلها إشارة إلى تقدمهم الزراعي ، كما جاء في الآية (٩) من سورة الروم ، أو إشارة إلى النباء العظيم للأقوام السابقين في قلب الجبال والسهول (١).
ومع هذه القوّة والعظمة التي كانوا يتمتعون بها ، فإنّهم لم يستطيعوا مواجهة العذاب الإلهي : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٢).
بل إنّ كلّ قواهم وقدراتهم أبيدت خلال لحظات قصيرة ، حيث خربت القصور وهلكت الجيوش التي كان يلوذ بها الظالمون ... وسقطوا كما تسقط أوراق الخريف ، أو أغرقوا في خضم الأمواج العاتية.
فإذا كان هذا هو مصير أولئك السابقين مع كلّ ما لديهم ، فبأي مصير ـ يا ترى ـ يفكّر مشركو مكّة وهم أقل من أولئك؟!
الآية التي بعدها تنتقل للحديث عن تعاملهم مع الأنبياء ومعاجز الرسل البينة ،
__________________
(١) كما تذكره الآيات (١٢٨) و (١٢٩) من سورة الشعراء.
(٢) هناك احتمالان في (ما) في جملة «ما أغنى» فإمّا نافية أو استفهامية ، لكن يظهر أنّ الأوّل هو الصحيح ، وهناك أيضا احتمالان في «ما» في جملة (ما كانوا يكسبون) فإما موصولة أو مصدرية ولكن الأوّل هو المرجح