فهو أيضا يتفق مع الآيات القرآنية الأخرى ، كقوله تعالى في الآيات (٢٧ ـ ٣٣) من سورة «النازعات» : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).
إنّ هذه المجموعة من الآيات الكريمة تكشف بوضوح أنّ دحو وتوسيع الأرض وتفجر العيون ونبات الأشجار والموارد الغذائية ، قد تمّ جميعا بعد خلق السماوات. أما لو فسّرنا معنى «ثم» بالتأخير في الزمان ، فعلينا أن نقول : إنّ كلّ تلك قد تكونت قبل خلق السماء ، وهذا يتنافى مع المعنى الواضح للمراد من قوله تعالى : (بَعْدَ ذلِكَ) أي أن كلّ ما ذكر قد تم خلقه بعد ذلك (أي بعد السماوات).
وبذلك نفهم أن (ثم) هنا قد استخدمت للتدليل على التأخير البياني (١).
ثانيا : «استوى» من «استواء» وتعني الاعتدال أو مساواة شيئين ببعضهما ، ولكن ذهب علماء اللغة والتّفسير إلى أنّ هذه الكلمة عند ما تتعدّى بـ «على» يصبح معناها الاستيلاء والتسلّط على شيء ما مثل (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٢).
وعند ما تتعدى بـ «إلى» فهي تعني القصد ، كما في الآية التي نبحثها (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) اي قصد الى السماء.
ثالثا : جملة «هي دخان» تبيّن أن بداية خلق السماوات كان من سحب الغازات الكثيفة الكثيرة ، وهذا الأمر يتناسب مع آخر ما توصلت إليه البحوث العلمية بشأن بداية الخلق والعالم.
والآن فإنّ الكثير من النجوم السماوية هي على شكل سحب مضغوطة من الغازات والدخان.
__________________
(١) أما ما نقل عن ابن عباس من قوله : إنّ خلق الأرض كان قبلا ، وأما «دحو الأرض» فجاء بعد ذلك ، فهو لا يحل المشكلة ، وكأن ابن عبّاس لم يهتم عما بعد الآية من حديث عن خلق الجبال والمواد الغذائية!
(٢) طه ، الآية ٥.