مخاطبة أهل النّار كدليل على عدم امتلاكهم الخيار في أمرهم ، بينما يستخدم كلمة «يأتي» في مخاطبة أهل الجنّة ، كدليل على احترامهم وحريتهم وإرادتهم في اختيار الأمن والهدوء.
وفوق كلّ هذا فقد استخدمت الآية تعبير الأمان من العذاب كناية عن الجنّة ، بينما استخدمت نار جهنم بشكل مباشر ، وفي ذلك إشارة إلى أنّ أهم قضية في ذلك اليوم هي «الأمن».
وعند ما ييأس الإنسان من هداية شخص يخاطبه بقوله : افعل ما شئت. لذا فالآية تقول لأمثال هؤلاء : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ).
لكن عليكم أن تعلموا : (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
لكن هذا الأمر لا يعني أنّ لهم الحرية في أن يعملوا ما يشاءون ، أو أن يتصرفوا بما يرغبون ، بل هو تهديد لهم بأنّهم لا يصغون لكلام الحق ، إنّه تهديد يتضمّن توعّد هؤلاء والصبر على أعمالهم إلى حين.
الآية التي بعدها تتحول من الحديث عن التوحيد والمعاد إلى القرآن والنبوّة ، وتحذّر الكفار المعاندين بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) (١).
إنّ إطلاق وصف «الذكر» على القرآن يستهدف تذكير الإنسان وإيقاظه ، وشرح وتفصيل الحقائق له بشكل إجمالي عن طريق فطرته ، وقد ورد نظير ذلك في الآية (٩) من سورة «الحجر» في قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
ثمّ تنعطف الآية لبيان عظمة القران فتقول : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ).
إنّه كتاب لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله أو أن يتغلب عليه ، ومنطقه عظيم
__________________
(١) لقد ذكر المفسّرون عدّة احتمالات حول خبر «إنّ الذين» أنسبها أن تقول بأنّ الخبر هو جملة (لا يخفون علينا) حيث حذف بقرينة الآية السابقة. وقال البعض : إنّ الخبر هو جملة «يلقون في النّار» المستفادة من الآية السابقة ، بينما قال البعض بأنّه جملة «أولئك ينادون من مكان بعيد» التي ترد في الآيات القادمة ، لكن الرأي الأوّل أرجح.