يقول تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ).
فليس لحرص الإنسان من نهاية ، فكلما يحصل على شيء يطالب بالمزيد ، ومهما يعطى لا يكتفي بذلك.
ولكنّه : (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ).
والمقصود بالإنسان هنا الإنسان غير المتربي بعد بأصول التربية الإسلامية ، والذي لم يتنور قلبه بالمعرفة الإلهية والإيمان بالله ، ولم يحسّ بالمسؤولية بشكل كامل. إنّها كناية عن الناس المتقوقعين في عالم المادة بسبب الفلسفات الخاطئة ، فهم لا يملكون الروح العالية التي تؤهلهم للصبر والثبات ، وتجاوز الحدود المادية إلى ما وراءها من القيم العظيمة.
هؤلاء يفرحون إذا أقبلت الدنيا عليهم ، وييأسون ويحزنون إذا ما أدبرت عنهم ، ولا يملكون ملجأ يلجأون إليه ، ولا يدخل نور الأمل والهداية إلى قلوبهم.
وينبغي أن نشير أيضا إلى أنّ «دعاء» تأتي أحيانا بمعنى المناداة ، وأحيانا بمعنى الطلب ، وفي الآية التي نبحثها جاءت بالمعنى الثّاني.
لذا فقوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) يعني لا يمل ولا يتعب الإنسان أبدا من طلب الخير والجميل.
وثمّة بيّن المفسّرين اختلاف في الرأي حول «يؤوس» و «قنوط» فيما إذا كانا بمعنى واحد أم لا؟
يرى البعض أنّهما بمعنى واحد ، والتكرار للتأكيد (١).
وقال البعض الآخر : «يؤوس» من «يئس» بمعنى اليأس في القلب ، أمّا «قنوط» فتعني إظهار اليأس على الوجه وفي العمل (٢).
أمّا «الطبرسي» فقد قال في مجمع البيان : إنّ الأوّل هو اليأس من الخير ، بينما
__________________
(١) تفسير الميزان ، المجلد ١٧ ، صفحة ٤٢٦.
(٢) الفخر الرازي في التّفسير الكبير ، المجلد ٢٧ ، صفحة ١٣٧ ، وروح المعاني ، المجلد ٢٥ ، صفحة ٤.