ويتّضح ممّا سلف أنّ للجملة معنيين :
الأوّل : أنّها تختص بموضوع الوحي الذي هو حديث الآيات السابقة ، وهو في الواقع يشبه ما جاء في الآية (٢١) من سورة «الحشر» في قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ).
إنّه كلام الله الذي يزلزل السماوات عند نزوله وتكاد تتلاشى ، فلو أنّه نزل على الجبال لتصدّعت ، لأنّه كلام عظيم من خالق حكيم.
والويل لقلب الإنسان ، فهو الوحيد الذي لا يلين ولا يستسلم ، ويصر على عناده وتكبره.
التّفسير الثّاني : أنّ السماوات تكاد تتفطّر وتتلاشى بسبب شرك المشركين وعبادتهم للأصنام من دون الله ، بل هم يساوون بين أدنى الكائنات والموجودات وبين المبدأ العظيم خالق الكون جلّ وعلا.
التّفسير الأوّل يناسب الآيات التي نبحثها والتي تنصب حول الوحي والتّفسير الثّاني يناسب ما نقرؤه في الآيتين (٩٠ ، ٩١) من سورة «مريم» حيث يقول تعالى بعد أن يذكر قول الكفار ـ وقبح قولهم ـ باتخاذه ولدا (!!) : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً).
ومن الواضح أن ليس ثمّة تعارض بين التّفسيرين.
أمّا عن كيفية انفطار السماوات وانهدام الجبال وهي موجودات جامدة ، فقد ذكروا كلاما وأقوالا متعدّدة في الموضوع تعرضنا لها في نهاية حديثنا عن الآيتين المذكورتين من سورة مريم.
وإذا أردنا أن نقف على استخلاص عام لما قلناه هناك ، فيمكن أن نلاحظ أنّ مجموعة عالم الوجود من جماد ونبات وغير ذلك لها نوع من العقل والشعور ، بالرغم من عدم إدراكنا له ، وهم على هذا الأساس يسبحون الله ويحمدونه ، ويخضعون له ويخشعون لكلامه.