الرّوايات الإسلامية تصرّح بأنّ الأرض كانت في البداية مغطاة جميعها بالماء ، ثمّ بدأت اليابسة تظهر بشكل تدريجي من تحت هذه المياه. (تؤيد النظريات العلمية الآن هذا المعنى).
ثمّ تخبرنا الرّوايات بأنّ منطقة الكعبة كانت أوّلا منطقة ظهرت من تحت الماء ، ثمّ بدأت اليابسة بالاتساع من جوار الكعبة ، ويعرف ذلك بدحو الأرض.
وهكذا يتّضح أن مكّة هي أصل وأساس لجميع القرى والمدن على سطح الأرض ، لذا فمتى قيل (أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) فالمعنى سيشمل جميع الناس على سطح الكرة الأرضية (١).
مضافا إلى ذلك ، نحن نعرف أنّ الإسلام بدأ بالانتشار تدريجيا ، ففي البداية أمر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بإنذار المقرّبين إليه ، كما ورد في قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢) كي تتقوى قاعدة الإسلام وتصلب نواته ، ويكون أكثر قدرة واستعدادا للانتشار.
ثم جاءت المرحلة الثانية المتمثلة بإنذار العرب ، كما ورد في قوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣).
وكذلك في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ).
وعند ما ترسخت أعمدة الإسلام بين هؤلاء القوم ، وقوي عوده أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأوسع من ذلك ، أن ينذر العالم والناس كافة ، كما نقرأ في أوّل سورة الفرقان في قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) وفي آيات اخرى.
__________________
(١) جاء هذا التعبير في سورة الأنعام كذلك الآية (٩٢) وقد ذكرنا هناك توضيحا أوسع ، فليراجع.
(٢) الشعراء ، الآية ٢١٤.
(٣) فصلت ، الآية ٣ ، إنّ ما قلناه هو في حال اعتبارنا كلمة (عربي) بمعنى اللغة العربية ، أمّا إذا فسرناها بالمعنى الفصيح فسيكون للآية مفهوم آخر.