فكيف يسمح لشخص بالكذب عليه وفي نفس الوقت ينصره ويظهر على يديه المعاجز؟
كما أن من الاخطاء الكبيرة أن يتصور البعض قيام الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذا العمل مخفيا ذلك عن علم الخالق : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
وكا قلنا في تفسير الآية ٣٨ من سورة فاطر ، فإنّ (ذات) لا تعني في اللغة العربية عين الأشياء وحقيقتها ، بل هو مصطلح من قبل الفلاسفة (١) ، حيث أن ذات تعني ـ (الصاحب) ، عندها سيكون مفهوم جملة : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) إن الخالق عليم بالأفكار والعقائد المسيطرة على القلوب ، وكأنما هي صاحبة هذا القلب ومالكته.
وهذه إشارة لطيفة إلى استقرار الأفكار وحاكميتها على قلوب وأرواح الناس (فدقق في ذلك).
وبما أن الخالق يبقي طريق الرجعة مفتوحا أمام العباد ، لذا فإن الآيات القرآنية بعد ذم أعمال المشركين والمذنبين القبيحة تشير إلى أن الأبواب التوبة مفتوحة دائما : ولذا تقول الآية محل البحث : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ).
إلّا أنكم إذا تظاهرتم بالتوبة وأخفيتم أعمالا اخرى ، فلا تتصوروا أن ذلك يخفى عن علم الخالق ، لأنّه : (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ).
وقلنا في سبب النّزول الذي ذكرناه في بداية الآيات السابقة ، أنّه بعد نزول آية المودّة ، قال بعض المنافقين وضعفاء الإيمان : إنّ هذا الكلام افتراه محمّد على الخالق ، ويريد به أن يذلنا بعده لأقربائه ، عندها نزلت آية : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) ردّا عليهم ، وعند ما علموا بنزول هذه الآية تندم بعضهم وبكى وبات قلق البال ، في ذلك الوقت نزلت الآية : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ...) وبشرتهم بغفران
__________________
(١) راجع مفردات الراغب.