فعند ما تشرق الشمس على المحيطات تفصل ذرات الماء الدقيقة عن الأملاح وترسلها على شكل سحب إلى السماء ، ثمّ تقوم طبقات الجو العليا الباردة بتكثيفها ، ثمّ تحملها الرياح إلى الأراضي اليابسة ، ثمّ تتحول أخيرا إلى قطرات مطر بسبب برودة الهواء وضغطه الخاص وتهطل على الأرض ، وتنفذ فيها دون تخريب.
نعم ، فلو دققنا النظر في هذا النظام ، فسنجد علائم قدرة الخالق وعلمه متجلية فيه ، فهو الولي الحميد الذي يقوم بتأمين كلّ حاجات العباد وتشملهم ألطافه العديدة.
ولا بدّ القول أن كلمة (غيث) تعني المطر النافع ، كما يقول العديد من المفسّرين وبعض علماء اللغة ، في حين أن (المطر) يطلق على جميع الأنواع الأخرى النافعة والضارة.
لذا ، فبعد تلك الجملة وردت عبارة : (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ).
يا له من تعبير لطيف وشامل! فهو ينشر رحمته لإحياء الأراضي الميتة ، ونمو النباتات وتنظيف الهواء ، وتأمين ماء الشرب للإنسان وباقي الكائنات الحية ، والخلاصة في جميع المجالات.
فلو أراد الإنسان أن يدرك مفهوم هذه الجملة القرآنية ، فإنّ عليه أن يتوجه نحو الجبال والسهول بعد نزول المطر وعند ما تشرق الشمس ، كي يشاهد الجمال واللطافة ورحمة الخالق الواسعة وهي تعمر كلّ مكان.
وقد تكوه الاستفادة من كلمة (غيث) بسبب أن لها جذورا مشتركة مع (غوث) المأخوذة من الإغاثة ، ولهذا السبب فإن بعض المفسّرين اعتبر الكلمة أعلاه إشارة إلى أي إغاثة من قبل الخالق بعد اليأس ونشر رحمته (١).
ولهذه المناسبة ـ أيضا ـ فإن الآية التي بعدها تتحدث عن أهم آيات علم
__________________
(١) يقول الراغب في مفرداته : الغوث يقال في النصرة ، والغيث في المطر.