ولا يتوانى في نصر مثل هذا المظلوم ، لأن الإنتصار وطلب العون من الحقوق الطبيعية لأي مظلوم ، ونصر المظلومين مسئولية كلّ إنسان حر ومتيقظ الضمير.
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ).
وإضافة إلى عقابهم الدنيوي (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ينتظرهم في الآخرة.
يقول بعض المفسّرين حول الاختلاف بين جملة (يَظْلِمُونَ النَّاسَ) وجملة (يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أن الجملة الأولى إشارة إلى موضوع (الظلم) والثانية إلى (التكبر) (١).
البعض الآخر اعتبر الأولى إشارة إلى (الظلم) والثانية إشارة إلى (الوقوف بوجه الحكومة الإسلامية).
«بغى» تعني في الأصل الجد والمثابرة والمحاولة للحصول على شيء ما ، ولكن كثيرا ما تطلق على المحاولات لغصب حقوق الآخرين ، والتجاوز عن حدود وحقوق الخالق ، لذا فإن للظلم مفهوما خاصا وللبغي مفهوما عاما يشمل أي تعد أو تجاوز للحقوق الإلهية.
عبارة (بغير الحق) تأكيد لهذا المعنى ، وعلى هذا الأساس فإنّ الجملة الثانية من باب ذكر العام بعد ذكر الخاص.
أمّا آخر آية فتشير مرّة اخرى إلى الصبر والعفو ، لكي تؤكّد أن الانتقام والعقاب والقصاص من الظالم لا يمنع المظلوم من العفو ، حيث تقول : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٢).
«العزم» في الأصل يعني (التصميم لإنجاز عمل معين) ، ويطلق على الإرادة القوية ، وقد تكون عبارة (عزم الأمور) إشارة إلى أن هذا العمل من الأعمال التي أمر الله بها ولا يمكن أن تنسخ ، أو أنّه من الأعمال التي يجب أن يشد الإنسان
__________________
(١) تفسير (الكشاف) ، (روح المعاني) و (روح البيان) نهاية الآيات التي نبحثها.
(٢) اللام في (لمن صبر) هي لام القسم وفي (لمن عزم الأمور) للتأكيد ، والاثنان يوضحان أهمية هذا الأمر الإلهي أي (العفو).