ولا بأس من ذكر مثال لتوضيح هذا الموضوع ...
لنفرض أنّنا كنا في مدينة كلّ أهلها من العميان (عميان منذ الولادة) ونحن الوحيدون ننظر بعينين ، فكل أهل المدينة لهم أربعة حواس (على فرض أن الحواس الظاهرية للإنسان خمسة) ونحن الوحيدون نملك خمسة حواس. عندها سنشاهد أحداثا كثيرة في هذه المدينة ، وعند ما نخبر أهل هذه المدينة سيتعجبون جميعهم من هذه الحاسة الخامسة التي تستطيع أن تدرك هذه الحوادث المتعددة ، ومهما حاولنا شرح حاسة النظر لهم وفوائدها وآثارها فإنّهم لا يستطيعون فهم ذلك. فمن جانب لا يستطيعون نكران ذلك لإدراكهم آثارها ، ومن جانب آخر لا يقدرون على درك حقيقة حاسة النظر ، لأنّهم غير قادرين على النظر طيلة حياتهم ولو للحظة واحدة.
ولا نريد القول أن الوحي هو (الحاسة السادسة) ، بل هو نوع من الارتباط والإدراك لعالم الغيب والذات الإلهية المقدسة ، ولأننا نفقد ذلك لا نستطيع أن ندرك كنهه بالرغم من إيماننا بوجود الوحي لوجود آثاره.
إنّنا نرى رجالا عظماء يدعون الناس الى أمور هي فوق مستوى أفكار البشر ، ويدعوهم إلى الدين الإلهي ، وعندهم من المعاجز الخارقة ما يفوق طاقة الإنسان ، حيث توضح هذه المعاجز ارتباطهم بعالم الغيب ، فالآثار واضحة إلّا أن الحقيقة مخفية.
هل توصلنا ـ نحن إلى معرفة جميع أسرار هذا العالم ، كي ننفي الوحي لصعوبة إدراكه بالنسبة لنا؟!
وحتى في عالم الحيوانات ، فهناك ظواهر مجهولة نعجز عن تفسيرها ، فهل توضحت لنا الحياة المجهولة لبعض الطيور المهاجرة التي قد تقطع ثمانية عشر ألف كيلومتر من القطب الشمالي وحتى الجنوبي أو العكس؟ فكيف تعرف هذه الطيور الطريق بدقة مع أنّها قد تسافر أحيانا في النهار وأحيانا اخرى في الليالي