في حين أنّه جاء في بعض الرّوايات أن شأن نزول هذه السورة يتعلق بإعلان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعوته ، فكان أن اجتمع مشركو قريش في دار الندوة ليفكروا في أمر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وليختاروا لمواجهته شعارا أو عنوانا خاصّا ، فقال بعضهم : إنّه (كاهن) لكن بعضهم لم يوافق على هذه التسمية ، فقال آخرون : إنّه (مجنون) إلّا جمعا آخر منهم لم يوافق عليه أيضا ، ورجّح بعضهم أن يسمّى بـ (الساحر) فلم يوافق الآخرون على ذلك أيضا.
أخيرا قالوا : إنّه يفرق بين الأحباب ، فبناء على ذلك فهو ساحر ثمّ تفرق المشركون ، فبلغ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما قاله المشركون ، فدثّر نفسه تزّمل بأثوابه وركن إلى الرّاحة ... فجاءه الوحي في ذلك الحين بسورتي ، يا أيّها المزّمل ، ويا أيّها المدثر. (١)
والحاصل هو ما أشرنا إليه في أنّ ظاهر السورة مكّية ، ونزول قسم منها بعد الدعوة العلنية ونفوذ الإسلام النسبي في مكّة أمر حتمي ، وإن كان يحتمل نزول آيات من أوّل السورة في أوّل البعثة.
ويتلخص محتوى السورة في خمسة أقسام :
القسم الأوّل : الآيات الأولى للسورة والتي تأمر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقيام الليل والصلاة فيه ، ليستعد بذلك لنقل ما سيلقى عليه من القول الثقيل.
القسم الثّاني : يأمره صلىاللهعليهوآلهوسلم بالصبر والمقاومة ومداراة المخالفين.
القسم الثّالث : بحوث حول المعاد ، وإرسال موسى بن عمران إلى فرعون وذكر عذابه الأليم.
القسم الرّابع : فيه تخفيف لما ورد في الآيات الأولى من الأوامر الشديدة عن قيام الليل ، وذلك بسبب محنة المسلمين والشدائد المحيطة بهم.
__________________
(١) نور الثقلين ، ج ٦ ، ص ٢٧٦.