وكذلك إختيار القرآن لأنّ يكون المادة الأولى في البرنامج العبادي في الليل إنّما هو لاقتباس الدروس اللازمة في هذا الباب ، وهو يعدّ من أفضل الوسائل لتقوية الإيمان والاستقامة والتقوى وتربية النفوس ، والتعبير بالترتيل الذي يراد به التنظيم والترتيب الموزون هنا هو القراءة بالتأني والانتظام اللازم ، والأداء الصحيح للحروف ، وتبيّن الحروف ، والدقّة والتأمل في مفاهيم الآيات ، والتفكر في نتائجها.
وبديهي أنّ مثل هذه القراءة تعطي الإنسان الرّشد والنمو المعنوي السريع والشهامة الخلقية وتهب التقوى ، وإذا فسّره البعض بالصلاة فذلك لأنّ أحد أجزاء الصلاة المهمّة هي قراءة القرآن.
عبارة «قم الليل» تعني النهوض في مقابل النوم ، وليس الوقوف فحسب ، وأمّا ما جاء من العبارات المختلفة في هذه الآيات حول مقدار إحياء الليل فهو في الحقيقة لتبيان التخيير ، وأنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مخيّر في الاستيقاظ في نصف الليل أو أقل من ذلك أو أكثر لقراءة القرآن ، ففي المرحلة الأولى يذكر الليل كلّه إلّا قليلا منه ، ثمّ يخففه ليوصله إلى النصف ، وبعدئذ إلى أقل من النصف.
وقيل : المراد هو التخيير بين الثلث الثّاني والنصف والثلث الأوّل ، بقرينة الآية التي في آخر السورة : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) ويستفاد من هذه الآية أيضا أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن وحده الذي يقوم الليل ، بل معه عدّة من المؤمنين كانوا ملتزمين أيضا بهذا النظام للبناء الذاتي والتربية والاستعداد متخذين النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أسوة لهم.
وقال البعض : إنّ المراد من «قم الليل إلّا قليلا» ، هو القيام في الليالي كلّها إلّا بعض الليالي ، وليس الاستثناء في أجزاء الليل ، ولكن هذا القول بعيد عن الصواب حيث أنّ الليل جاء بصيغة مفرد «ليل» ، وجاء التعبير بالنصف أو أقل النصف.
ثمّ يبيّن الهدف النهائي لهذا الأمر المهم والشاق فيقول : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ