وممّا روي عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام «التبتل رفع اليد إلى الله حال الصّلاة» (١)
والواضح أنّ هذا هو مظهر من مظاهر الإخلاص والانقطاع إلى الله.
على أيّ حال فإنّ ذلك الذكر لله تعالى وهذا الإخلاص هما الثّروة العظيمة لأهل الله في مهامهم الثقيلة لهداية الخلق.
ثمّ ينتهي إلى الأمر الثّالث فيقول : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) وهنا تأتي مسألة إيداع الأمور إلى الله ، وذلك بعد مرحلة ذكر الله والإخلاص ، إيداع الأمور للربّ الذي بيده الحاكمية والرّبوبية على المشرق والمغرب والمعبود الوحيد المستحق للعبادة ، وهذا التعبير في الحقيقة هو بمنزلة الدليل على موضوع التوكل على الله ، فكيف لا يتوكل الإنسان عليه ، ولا يودعه أعماله ، وليس في العالم الواسع من حاكم وآمر ومنعم ومولى ومعبود غيره؟
وبالتالي يقول في الأمر الرّابع والخمس : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً).
ويأتي هنا مقام الصبر والهجران ، لكثرة اتهامات الأعداء وإيذاءهم له في طريق الدعوة إلى الله ، فالفلاح إذا أراد قطف الورود ، عليه أن يصبر ويتحمل أذى الأشواك ، مضافا إلى ذلك يلزم الابتعاد عنهم وهجرانهم أحيانا ، وليبقى في مأمن من شرّهم ، ويعطيهم بذلك درسا بالغا ، ولا يعني ذلك قطع سبل التربية والتبليغ والدعوة إلى الله.
وعلى هذا فإنّ الآيات المذكورة آنفا تعتبر وثيقة من الأوامر تعطي للنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولمن يحذو حذوه هذا المفهوم ، وهو أن يستمد العون من عبادة الليل والدعاء والتضرع إلى الله تعالى ويسقي هذه الشجرة بماء الذكر الله تعالى ، والإخلاص والتوكل والصبر والهجران الجميل ، يا لها من صحيفة جامعة وجميلة!
__________________
(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٠ ، ح ٢٧.