يقذف به الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعند ما سمّوه بالشاعر لم يقبل بذلك ، فقالوا : كاهن فلم يقبل ، قالوا : مجنون فرفض ، فقالوا : ساحر ، قال : بلى ، وذلك لمخالفتهم فكرة السحر الذي كان يفرق بين المرء وأهله ، أو يجمع الواحد والآخر ، وإنّما ظهر ذلك في عصر الإسلام ، قد عبّر القرآن عن هذه الحالة التي حدثت عند الوليد بتعبير مختصر وبليغ لمطالعته للأمر وتفكره ، ثمّ تقديره لذلك وإن كان أصل الاقتراح من قريش ، وعلى كل حال فإنّ تكرار المعنى في الآيتين دليل على دهاء الوليد في تفكره الشيطاني ، ولذا كانت شدّة تفكره سببا للتعجب.
بعدئذ يضيف الله تعالى : (ثُمَّ نَظَرَ) ، أي نظر بعد التفكر والتقدير نظرة من يريد أن يقضي في أمر مهمّ ليطمئن من استحكامه وانسجامه : (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ، فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) ، بهذه الأقوال يظهره عداءه للقرآن المجيد ، وذلك بعد تفكره الشيطاني ، وبقوله هذا صار يمدح القرآن من حيث لا يدري ، وإذا أشار إلى جاذبية القرآن الخارقة وتسخيره للقلوب ، وسحر القرآن الذي يسحر القلوب كما في قولته ، وما كان للقرآن من شبه بسحر الساحرين ، بل إنّه كلام منطقي وموزون ، وهذا هو دليل على نزول الوحي به ، وليس هو بكلام البشر ، بل صدر من عالم ما وراء الطبيعة من علم الله اللامتناهي ، الذي جمع في انسجامه واستحكامه كلّ المحاسن.
«عبس» : يعبس عبوسا ، والعبوس الذي يقبض وجهه.
«بسر» : من (البسور) وتعني أحيانا العجلة في إتمام العمل الذي لو يحن حان وقته ، وأحيانا بمعنى قبض الوجه وتغيره ، والمعنى الثّاني يناسب العبس ، وعلى المعنى الأوّل يكون إشارة إلى اتّخاذ القرار العاجل في الصاق ما لا يليق بالقرآن المجيد.
«يؤثر» : من (الأثر) ، وهو ما يروى عن الماضين ممّا بقي من الآثار ، وقيل من «الإيثار» بمعنى الترجيح والتقديم.