بعض ما ألقي فيها ولم تحرقه ، وإذا نالت إنسانا مثلا نالت جسمه وصفاته الجسمية وتبقى روحه وصفاته الروحية في أمان منها ، وأمّا «سقر» فلا تدع أحدا ممن ألقي فيها إلّا نالته واحتوته بجميع وجوده ، فهي نار شاملة تستوعب جميع من القي فيها ، وقيل : إنّ المعنى لا يموتون فيها ولا يحيون ، أي يبقون بين الموت والحياة ، كما جاء في الآية (١٣) من سورة الأعلى : (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى).
أو أنّها لا تبقي على جسد شيئا من العظام أو اللحم ، فيتّضح أنّ مفهوم الآية أنّها لا تحرقهم تماما ، لأنّ هذا المعنى لا يتفق والآية (٥٦) من سورة النساء حيث يقول تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ)
ثمّ ينتقل إلى بيان وصف آخر للنّار المحرقة فيضيف : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) (١).
إنّها تجعل الوجه مظلما أسود أشدّ سوادا من الليل.
«بشر» : جمع بشرة ، وتعني الجلد الظاهر للجسد.
«لوّاحة» : من مادة (لوح) وتعني أحيانا الظاهر ، وأحيانا بمعنى التغيير ، ويكون المعنى بمقتضى التّفسير الأوّل : (أنّ جهنم ظاهرة للعيان).
كما جاء في الآية (٣٦) من سورة النّازعات : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) وبمقتضى التّفسير الثّاني يكون المعنى : أنّها تغير لون الجلود.
وفي آخر آية من آيات مورد البحث يقول تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ). (٢)
إنّهم ليسوا مأمورين بالرحم والشفقة ، بل إنّهم مأمورين بالعذاب والغلظة ، وأمّا الآية الأخرى التي تليها فإنّها تشير إلى أنّ هذا العدد هم ملائكة العذاب ، وقيل إنّها تشير إلى تسع عشرة مجموعة من الملائكة ، وليس تسعة عشر نفرا ، ودليل ذلك قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ).
__________________
(١) لواحة : خبر مبتدأ محذوفة تقديره (هي لواحة).
(٢) (عليها) خبر مقدم ، وتسعة عشر مبتدأ مؤخر ، وهي مبنية على الفتح ، ولذا لم ترفع في الظاهر ، وقيل إنّ سببه يتضمّن معنى واو العاطفة.