فيقول تعالى أوّلا : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) (١).
ملائكة أقوياء مقتدرون وكما يعبّر القرآن غلاظ شداد قساة ، في مقابل المذنبين بجمعهم الغفير وهم ضعفاء عاجزون.
ثمّ يضيف تعالى : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا).
وهذا الاختبار من وجهين :
أوّلا : لأنّهم كانوا يستهزئون بالعدد تسعة عشر ، ويتساءلون عن سبب اختيار هذا العدد ، في حين لو وضع عدد آخر لكانوا قد سألوا السؤال نفسه.
والوجه الثّاني : أنّهم كانوا يستقلون هذا العدد ويسخرون من ذلك بقولهم : لكل واحد منهم عشرة منّا ، لتكسر شوكتهم.
في حين أنّ ملائكة الله وصفوا في القرآن بأنّ نفرا منهم يؤمرون بإهلاك قوم لوط عليهالسلام ويقلبون عليهم مدينتهم ، مضافا إلى ما أشير إليه سابقا حول اختيار عدد تسعة عشر لأصحاب النّار.
ثمّ يضيف تعالى أيضا : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).
ورد في رواية أنّ جماعة من اليهود سألوا أحد أصحاب النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن عدد خزنة النّار فقال : «الله ورسوله أعلم» فهبط جبرائيل عليهالسلام على النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالآية (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ). (٢)
وسكوت هؤلاء اليهود وعدم اعتراضهم على هذا الجواب يدلّ على أنّه موافقا لما هو مذكور في كتبهم ، وهذا مدعاة لازدياد يقينهم بنبوة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وصار قبولهم هذا سببا في تمسك المؤمنين بإيمانهم وعقائدهم.
لذا تضيف الآية في الفقرة الأخرى : (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً).
__________________
(١) أصحاب النّار : ذكرت هذه العبارة في كثير من آيات القرآن وكلّها تعني الجهنميين ، إلّا في هذا الموضع فإنّها بمعنى خزنة جهنم ، وذكر هذه العبارة يشير إلى أنّ كلمة «سقر» في الآيات السابقة تعني جهنّم بكاملها وليس قسما خاصّا منها.
(٢) نقل هذا الحديث البيهقي ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (تفسير المراغي ، ج ٢٩ ، ص ١٣٤).