يناسب المعنى الأوّل ، وإن لم يكن هناك اختلاف في مقام التشبيه.
«العهن» : مطلق الصوف المصبوغ ألوانا.
نعم ، في مثل ذلك اليوم تتلاشى السموات وتذوب ، تتدكدك الجبال ثمّ تتناثر في الهواء كالصوف في مهب الرّيح ، وبما أنّ الجبال ذات ألوان مختلفة فإنّها شبهت بالصوف المصبوغ بالألوان ، ثمّ يتحقق عالم جديد وحياة جديدة للبشرية بعد كلّ هذا الخراب.
وعند ما يحلّ يوم القيامة في ذلك العالم الجديد فسيكون فيه الحساب عسيرا ومرعبا بحيث ينشغل كل بنفسه ، ولا يفكر بالآخر حتى لو كان من خلّص اصدقائه وأحبائه : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) (١).
الكلّ مشغول بنفسه ، ويفكر بخلاص نفسه يقول في سورة عبس (٣٧) : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٢).
ولا يعني ذلك أنّ الأصدقاء والأقرباء ينكر بعضهم بعضا ، بل إنّهم يعرفونهم ويقول تعالى : (يُبَصَّرُونَهُمْ) (٣) ، غاية الأمر هو أنّ هول الموقف ووحشته لا يمكنه من التفكر بغيره.
وإكمالا للحديث وتوضيحا لذلك الموقف الموحش ، يضيف تعالى : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ).
وليس ببنيه فحسب بل ، يودّ أن يفتدي العذاب بزوجته وأخيه أيضا (وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ).
(وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) أي عشيرته وأقربائه الذين كان يأوي إليهم في الدنيا :
__________________
(١) «الحميم» : تقدم أنه في الأصل يعني الماء المغلي والمحرق ثمّ اطلق كذلك على الأصدقاء المخلصين والحقيقيين.
(٢) وردت تفاسير اخرى ، منها : لا يسأل أحد عن أحوال الآخر لأنّ أحوالهم ظاهرة في وجوههم ، وإذا كانت ظاهرة فلا مبرر للسؤال ، ولا يمكن أحد تحمل المسؤولية ، مسئولية أعماله عن الآخرين ولكن التّفسير الأوّل هو الأصح.
(٣) مع أنّ «حميم» قد جاء في المرحلتين بصورة المفرد ، فقد جاء في «يبصرونهم» ضمير بصورة الجمع لأنّ له معنى جنسي.