على كل حال فإنّ النفس اللوامة كما قلنا هي كالقيامة الصغرى في داخل الروح والتي تقوم بمحاسبة الإنسان ، ولذا تحس أحيانا بالهدوء والاستقرار بعد القيام بالأعمال الصالحة وتمتلئ بالسرور والفرح والنشاط.
وبالعكس فإنّها تبتلي أحيانا بكابوس الرذائل والجرائم الكبيرة وأمواج الغم والحيرة ، ويحترق بذلك باطن الإنسان حتى يتنفر من الحياة ، وربّما يبلغ ألم الوجدان أنّه يقدم على تسليم نفسه إلى المحاكم القضائية ليرتقي منصة الإعدام لخلاص نفسه من قبضة هذا الكابوس.
هذه المحكمة الداخلية العجيبة لها شبه عجيب بمحكمة القيامة.
١ ـ إنّ القاضي والشاهد والمنفذ للأحكام واحد ، كما في يوم القيامة : (عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ) (١).
٢ ـ إنّ هذه المحكمة ترفض كلّ توصية ورشوة وواسطة كما هو الحال في محكمة يوم القيامة ، فيقول تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٢).
٣ ـ إنّ محكمة الضمير تحقق وتدقق الملفات المهمّة بأقصر مدّة وتصدر الحكم بأسرع وقت ، فلا استئناف في ذلك ، ولا إعادة نظر ، ولا تحتاج في ذلك شهورا وسنين ، وهذا هو ما نقرأه أيضا في محكمة البعث : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣).
٤ ـ مجازاتها وعقوباتها ليست كعقوبات المحاكم الرسمية العالمية ، فإنّ
__________________
(١) الزمر ، ٤٦.
(٢) البقرة ، ٤٨.
(٣) الرعد ، ٤١.