خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً).
«أمشاج» : جمع مشج ، على وزن (نسج) أو (سبب) ، أو أنه جمع «مشيج» على وزن (مريض) بمعنى المختلط.
ولعل ذكر خلق الإنسان من النطفة المختلطة إشارة إلى اختلاط ماء الذكور والإناث ، وقد أشير إلى ذلك في روايات المعصومين عليهمالسلام بصورة إجمالية ، أو أنّها إشارة إلى القابليات المختلفة الموجودة داخل النطفة من ناحية العوامل الوراثية عن طريق الجيّنات ، أو أنّها إشارة إلى اختلاط المواد التركيبية المختلفة للنطفة ، لأنّها تتركب من عشرات المواد المختلفة ، أو اختلاط جميع ذلك مع بعضها البعض ، والمعنى الأخير أجمع وأوجه.
ويحتمل كون «الأمشاج» إشارة إلى تطورات النطفة في المرحلة الجنينية (١). «نبتليه» : إشارة إلى وصول الإنسان إلى مقام التكليف والتعهد وتحمل المسؤولية والاختبار والامتحان ، وهذه هي إحدى المواهب الإلهية العظيمة الذي أكرم بها الإنسان وجعله أهلا للتكليف وتحمل المسؤولية ، وبما أنّ الاختبار والتكليف لا يتمّ إلّا بعد الحصول على المعرفة والعلم فقد أشار في آخر الآية إلى وسائل المعرفة ، والعين والأذن التي أودعها سبحانه وتعالى في الإنسان وسخرها له.
وقيل المراد بالابتلاء هنا التطورات والتحولات الحاصلة في الجنين من النطفة حتى ينشئه إنسانا كاملا ، ولكن التمعن في عبارة «نبتليه» ، وكذلك في كلمة «الإنسان» نجد أنّ المعنى الأوّل هو الأوجه.
وممّا يستفاد من هذه العبارة أنّ منبع جميع إدراكات وعلوم الإنسان هي
__________________
(١) يجب الالتفات إلى أن النطفة جاءت بصيغة المفرد ، وجاءت صفتها بصورة الجمع ، وهي «أمشاج» ، باعتبار أنّ النطفة تركبت من أجزاء مختلفة ، وأنّها في حكم الجمع ، ويعتقد البعض كالزمخشري في الكشاف أنّ «أمشاج» مفرد رغم أنّها من أوزان الجمع.