هذه النعمة ، وأمّا من خالف فقد كفرها.
وبما أنّ الإنسان لا يتمكن من تحقيق الشكر الحقيقي ، فقد عبّر عن الشكر باسم الفاعل ، والحال أنّ الكفران جاء بصيغة المبالغة فقال : (كفور) ، لأنّ عدم اهتمامهم بهذه النعم الكبيرة يعتبر كفرانا شديدا منهم باعتبار أنّ الله عزوجل وضع وسائل الهداية تحت تصرفهم ، ولذا فإنّ إهمال هذه الوسائل والمواهب والغضّ عنها واتخاذ السبيل المنافي لها يعتبر كفرانا شديدا.
والجدير بالذكر أنّ كلمة (كفور) تستعمل لكفران النعمة ، وكذلك للكفر الاعتقادي ، وهو ما أورده الراغب في مفرداته.
وأشارت الآية الأخيرة من آيات البحث إشارة قصيرة وغنية بالمعنى إلى الذين سلكوا طريق الكفر والكفران فتقول : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً).
التعبير بـ (اعتدنا) تأكيد على حتمية مجازاة هذه الثلّة ، وبالرغم من أنّ تهيئة الشيء مسبقا هو عمل من له قدرة محدودة ويحتمل أن يعجز بعد ذلك من إنجاز العمل ، ولكن هذا المعنى لا يصدق على الله تعالى ، لأنّه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون ، وفي الوقت نفسه يبيّن للكافرين أنّ هذه العقوبات حتمية ووسائلها جاهزة.
«سلاسل» : جمع (سلسلة) ، وهي القيد الذي يقاد به المجرم ، و «الأغلال» جمع غل ، وهي الحلقة التي توضع حول العنق أو اليدين وبعد ذلك يقفل بالقيد (١).
على كلّ حال فإنّ ذكر الأغلال والسلاسل ولهيب النيران المحرقة تبيان للعقوبات التي يعاقب بها المجرمون ، وهو ما أشير إليه في كثير من آيات القرآن ويشمل ذلك العذاب والذل ، إنّ إطلاقهم لعنان الشهوات يسبب في تعاستهم في
__________________
(١) وضّحنا شرحا مفصلا حول معنى الأغلال في ذيل الآية (٨) من سورة يس.