إنّ آثارهم واضحة على صفحات البسيطة. وليس على صفحات التاريخ فحسب ، أقوام ـ كقوم عاد وثمود وقوم نوح وقوم لوط وقوم فرعون ـ عوقبوا جزاء لأعمالهم فبعض أبيدوا بالطوفان وآخرون بالصاعقة ، وجماعة بقوة الرياح ، وقوم بالزلزلة وأحجار السماء.
(ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) لأنّها سنّة مستمرة لا تبعيض فيها ولا استثناء ، وهل يمكن أن يعاقب جماعة لجرم ما ، ويقبل ذلك الجرم من آخرين؟!
ولذا يضيف تعالى في الآية الأخرى : (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ).
هذه الآية في الحقيقة هي بمنزلة بيان الدليل على هلاك الأمم الأولى ويستتبعه هلاك الأمم الأخرى ، لأنّ العذاب الإلهي ليس فيه جانب الثأر ولا الانتقام الشخصي. بل إنّه تابع لأصل الاستحقاق ومقتضى الحكمة.
وقال البعض : إنّ المراد من (الأولين) هم الأمم المتوغلة في الماضي البعيد كقوم نوح وعاد ثمود ، و (الآخرين) اللاحقون بهم من الأمم الغابرة أمثال قوم لوط وقوم فرعون ولكنّنا نلاحظ أنّ (نتبعهم) جاءت بصيغة فعل مضارع ، والحال أنّ عبارة (ألم نهلك) وردت بصيغة الماضي ، فيتضح من ذلك أنّ (الأولين) هم الأمم السابقة الذين هلكوا بالعذاب الإلهي و (الآخرين) هم الكفار المعاصرون للنّبي صلىاللهعليهوآله أو الذين يأتون إلى الوجود فيما بعد ، ويتلوثون بالجرائم والمعاصي والظلم والفساد.
ثمّ يضيف مستنتجا : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).
(يَوْمَئِذٍ) : إشارة إلى يوم البعث الذي يعاقب فيه المكذبون بالعقوبات الشديدة ، والتكرار هو لتأكيد المطلب ، وما احتمله البعض من أنّ هذه الآية ناظرة إلى العذاب الدنيوي ، والآية المشابهة لها والتي وردت سابقا ناظرة إلى العذاب الأخروي يبدو بعيدا جدّا.
ثمّ يمسك القرآن بأيديهم ليأخذهم إلى عالم الجنين ويريهم عظمة الله