بحرية الإنسان ...
ثمّ إن كنّا قد جعلنا على أعمالنا جبرا ، فهل يبق للتوبة من معنى؟! ولم الحسرة والحال هذه؟! بل إنّ محاكمة الظالم ظلم واضح ، والأكثر ظلما معاقبته؟!! وكلّ ما ذكر يدلل على أنّ حرية الإرادة وعدم الجبر أصل تحكم به الفطرة الإنسانية ، وهو ما ينسجم تماما والوجدان البشري العام ، والكل يعمل على ضوء هذا الأصل ، ولا فرق في ذلك بين عوام الناس أو خواص العلماء والفلاسفة ، ولا يستثنى من ذلك حتى الجبريين أنفسهم ، وكما قيل في هذا الجانب : (الجبريون اختياريون من حيث لا يعلمون).
والقرآن الكريم حافل بما يؤكّد هذه الحقيقة ، ونظرا لكثرة الآيات التي تؤكّد على حرية إرادة الإنسان ـ مضافا الى الآية المبحوثة : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) ـ سنكتفي بذكر ثلاث آيات من القرآن الحكيم.
ففي الآية (٣) من سورة الدهر : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).
وفي الآية (٢٩) من سورة الكهف ، يقول تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ).
وجاء في الآية (٢٩) من سورة الدهر أيضا : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً).
الحديث حول (الجبر والتفويض) طويل جدّا ، وقد كتبت في ذلك كتب ومقالات عديدة ، وما ذكرناه لا يتعدى كونه إلقاء نظرة سريعة ومختصرة على ضوء (القرآن) و (الوجدان) ، ونختم الحديث بذكر ملاحظة مهمّة وهي : إنّ الدوافع النفسية والاجتماعية قد اختلطت مع الاستدلال الفلسفي عند الكثيرين ممن يقولون بالجبر.
فكثير ممن اعتقدوا بالجبر ، أو (القضاء والقدر) بمعناه الجبري إنّما توسلوا به للفرار من المسؤولية : أو أنّهم جعلوها غطاء لفشلهم الناتج عن تقصيرهم