التّفاسير الثّلاثة المذكورة (١).
ولا يوجد أيّ تضاد بين كلّ ما ذكر ، ويمكن أن تكون الآيات قد رمزت إلى كلّ هذه المعاني ... وعموما يبدو أنّ التفسير الأوّل أقرب من غيره ، للأسباب التالية :
أوّلا : تناسبه مع يوم القيامة .. هو ممّا تدور السورة حوله عموما.
ثانيا : نسبة الترابط الموجودة بينه وبين الآيات المشابهة للآيات المبحوثة في أوّل سورة المرسلات.
ثالثا : ملائمة تفسير : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) للملائكة التي تدبّر شؤون العالم بأمر الله ، والذين لا يتخلفون ولو لحظة واحدة في تنفيذ ما يؤمرون به ، كما تشير الآية (٢٧) من سورة الأنبياء إلى ذلك : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) ، وخصوصا أنّ (تدبير الأمر) ورد بصيغة مطلقة من دون أيّ قيد أو شرط.
وعلاوة على كلّ ما تقدم فثمّة روايات في تفسير الآيات المبحوثة يتناسب معها التفسير الأوّل ، ومن جملتها :
ما روي عن علي عليهالسلام في تفسير (النَّازِعاتِ غَرْقاً) ، إنّه قال : «إنّها الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفّار عن أبدانهم بشدّة كما يغرق النازع بالقوس فيبلغ بها غاية المسد» (٢).
وروي عنه عليهالسلام في تفسير : «والناشطات» و «السابحات» و «فالمدبرات» ما
__________________
(١) وثمّة رأي يقول : المقصود بهذا القسم ، تلك الحركات الطبيعية والإرادية والصناعية للموجودات ، فمثلا : تتحرك النطفة حركة طبيعية ، فتنفصل من صلب الأب لتستقر في رحم الام ، ثمّ تديم مسيرها بهدوء ، ولتسرع بعد ذلك ، ثمّ تبدأ المواد الحياتية بالتسابق في النطفة حتى يتشكل في النهاية إنسان كامل الهيئة لتقوم بتدبيره ، وكذا الحال بالنسبة للحركات الإرادية حيث يبدأ الإنسان باتخاذ قرار معين وبعده يتحرك بهدوء لتجسيد اولى خطوات التنفيذ ، ثمّ يسرع الخطوات ، ويتسابق مع الآخرين ، ويقوم بكلّ ذلك لتدبير أمره وحياته الاجتماعية والوسائل الصناعية لا تبتعد عن هذا التسلسل ، كما في المراحل التي تطويها الطائرة في مسيرها. (إلّا أنّ هذا التفسير يفتقد الدليل).
(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٩٧ ، الحديث ٤.