تدريجيا ، حتى وصلت لما هي عليه الآن من شكل ، (وحدث ذلك بعد خلق السماء والأرض) (١).
وبعد دحو الأرض ، وإتمام صلاحيتها لسكنى وحياة الإنسان ، يأتي الحديث في الآية التالية عن الماء والنبات معا : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها).
ويظهر من التعبير القرآني ، إنّ الماء قد نفذ إلى دخل الأرض بادئ ذي بدء ، ثمّ خرج على شكل عيون وأنهار ، حتى تشكلت منهما البحيرات والبحار والمحيطات.
«المرعى» : اسم مكان من (الرعي) (٢) ، وهو حفظ ومراقبة امور الحيوان من حيث التغذية وما شابهها.
ولهذا ، تستعمل كلمة (المراعاة) بمعنى المحافظة والمراقبة وتدبير الأمور ، وكلّ من يسوس نفسه أو غيره يسمّى (راعيا) ، ولذا جاء في الحديث الشريف : «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
ثمّ ينتقل البيان القرآني إلى «الجبال» ، حيث ثمّة عوامل تلعب الدور المؤثر في استقرار وسكون الأرض ، مثل : الفيضانات ، العواصف العاتية ، المدّ والجزر ، والزلازل .. فكل هذه العوامل تعمل على خلخلة استقرار الأرض ، فجعل الله عزوجل «الجبال» تثبيتا للأرض ، ولهذا تقول الآية : (وَالْجِبالَ أَرْساها) (٣).
«أرسى» : من (رسو) ، بمعنى الثبات ، وأرسى : فعل متعد ، أي ، ثبّت الجبال في مواقعها.
وتلخص الآية التالية ما جاء في الآيات السابقة : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).
__________________
(١) فسّر بعض المفسّرين «بعد ذلك» في الآية ، بمعنى (إضافة لهذا) ، فيكون معنى الآية : (إضافة إلى ما في الآيات السابقة فالأرض دحاها).
(٢) واعتبره البعض : مصدرا ميميا ، بمعنى الحيوانات السائمة ، ولكنّ المعنى المذكر أعلاه أقرب.
(٣) بحثنا مفصلا موضوع الجبال وأهميتها في حياة الإنسان وفي تثبيت الأرض ، في ذيل الآية (٣) من سورة الرعد ـ فراجع.