نفسه : يقول هؤلاء الصناديد ، إنّما أتباعه العميان والعبيد ، فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم ، فنزلت الآية.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ذلك يكرمه ، وإذا رآه قال : «مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي» ، ويقول له : «هل لك من حاجة».
واستخلفه على المدينة مرّتين في غزوتين (١).
والرأي الثّاني في شأن نزولها : ما
روي عن الإمام الصادق عليهالسلام : «إنّها نزلت في رجل من بني اميّة ، كان عند النّبي ، فجاء ابن ام مكتوم ، فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه عبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك ، وأنكره عليه» (٢).
وقد أيّد المحقق الإسلامي الكبير الشريف المرتضى الرأي الثّاني.
والآية لم تدل صراحة على أنّ المخاطب هو شخص النّبي الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولكنّ الآيات (٨ ـ ١٠) في السورة يمكن أن تكون قرينة ، حيث تقول : (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) ، والنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خير من ينطبق عليه هذا الخطاب الربّاني.
ويحتجّ الشريف المرتضى على الرأي الأوّل ، بأنّ ما في آية (عَبَسَ وَتَوَلَّى) لا يدل على أنّ المخاطب هو النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث أنّ العبوس ليس من صفاته مع أعدائه ، فكيف به مع المؤمنين المسترشدين! ووصف التصدّي للأغنياء والتلهي عن الفقراء ممّا يزيد البون سعة ، وهو ليس من أخلاقه صلىاللهعليهوآلهوسلم الكريمة ، بدلالة قول الله تعالى في الآية (٤) من سورة (ن) ، والتي نزلت قبل سورة عبس ، حيث وصفه الباري : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وعلى فرض صحة الرأي الأوّل في شأن النزول ، فإنّ فعل النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والحال هذه لا يخرج من كونه (تركا للأولى) ، وهذا ما لا ينافي العصمة ،
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٣٧.
(٢) المصدر السابق.