سلوك ذلك الطريق.
وتشير الآية التالية إلى الأمر الحتمي الذي به تطوى آخر صفحات مشوار الحياة الدنيا : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ).
ومن المعلوم أنّ «الإماتة» من الله تعالى والدفن على ظاهره من عمل الإنسان ، ولمّا كانت عملية الدفن تحتاج إلى نسبة من الذكاء والعقل بالإضافة إلى توفر بعض المستلزمات الضرورية لذلك ، فقد نسب الدفن «فأقبره» إلى الله تعالى.
وقيل : نسب الله ذلك إليه ، باعتبار تهيئة الأرض قبرا للإنسان.
قيل : تمثل الآية حكما شرعيا ، وأمرا إلهيا في دفن الأموات.
وعلى أيّة حال ، فالدفن من عناية ولطف وتكريم الله للإنسان ، فلولا أمره سبحانه بالدفن لبقيت أجساد الإنسان الميتة على الأرض وتكون عرضة للتعفن والتفسخ وطعما للحيوانات الضارية والطيور الجارحة ، فيكون الإنسان والحال هذه في موضع الذّلة والمهانة ، ولكنّ لطف الباري عزوجل على الإنسان في حياته وبعد مماته أوسع ممّا يلتفت فيه الإنسان لنفسه أيضا.
وحكم دفن الأموات (بعد الغسل والتكفين والصلاة) ، يبيّن لنا ... إنّه ينبغي على الإنسان أن يكون طاهرا محترما في موته ، فكيف به يا ترى وهو حيّ؟!
وذكر الموت في الآية باعتباره نعمة ربّانية ، أضفى بها الباري على الإنسان ..
وبنظرة تأملية فاحصة سنجد حقيقة ذلك ، فالموت في حقيقة عبارة عن :
أوّلا : مقدمة للخلاص من أتعاب وصعاب هذا العالم ، والانتقال إلى عالم أوسع.
ثانيا : فسح المجال لتعاقب الأجيال على الحياة الدنيا لمتابعة مشوار التكامل البشري بصورة عامّة ، ولولا الموت لضاقت الأرض بأهلها ، ولما كان ممكنا أن تستمر عجلة الحياة على الأرض.