منذرين تارة ومبشرين تارة أخرى ، كما يتمّ الاعتماد في سائر الدينا على التحذيرات والعقوبات لضمان تطبيق القوانين.
نوح عليهالسلام الذي كان هو من أولى العزم ، وصاحب أوّل شريعة إلهية ، وله دعوة عالمية ، جاء إلى قومه بعد صدور هذا الأمر إليه قال : (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ).
الهدف هو أن تعبدوا الله الذي لا إله إلّا هو ، وتتركوا من دونه ، وتتقوا وتطيعوا أمري الذي هو أمر الله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ).
في الحقيقة أنّ نوحا عليهالسلام قد لخّص مضمون دعوته في ثلاث جمل : عبادة الله الواحد ، والحفاظ على التقوى ، وطاعة القوانين والأوامر التي جاء بها من عند الله والتي تمثل مجموعة من العقائد والأخلاق والأحكام.
ثمّ ذكر النتائج المهمّة المترتبة على استجابتهم الدعوة في جملتين لترغيبهم فقال : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ). (١)
في الحقيقة أنّ القاعدة المعروفة «الإسلام يجب ما قبله» هي قانون موجود في كل الأديان الإلهية والتوحيدية وليست منحصرة بالإسلام.
ثمّ يضيف : (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، يستفاد جيدا من هذا الآية أنّ «الأجل» وموعد عمر الإنسان قسمان ، هما : الأجل المسمّى ، والأجل النهائي ، أو بعبارة أخرى الأجل الأدنى ، والأجل الأقصى أو الأجل المعلق ، والأجل الحتمي ، القسم الأوّل للأجل قابل للتغير والتبديل ، فقد يتدنى ويقل عمر الفرد كثيرا بسبب الذنوب والأعمال السيئة
__________________
(١) «من» في هذه الجملة زائدة وللتأكيد ، لأنّ الإيمان بالله يبعث على غفران جميع الذنوب السابقة ، هذا ما يرتبط بحق الناس ، وأمّا من باب الذنوب وحكم الحرمة أيضا يكون مشمولا بالمغفرة ، وما احتمل بعض المفسّرين (كالفخر الرازي في التّفسير الكبير والعلّامة الطباطبائي قدس سرّه في الميزان) من أنّ (من) هنا تبعيضية وهي تخص الذنوب السابقة لا الآتية يبدو بعيدا ، لأنّ الذنوب الآتية غير مذكورة في سياق الآية.