ويضع طوق عبودية المعبود الأحد في رقبته ، وإلّا فالهلاك الحتمي.
وتتناول الآية التالية منشأ الغرور والغفلة : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ).
فالكرم الإلهي ، ولطف الباري منعمه ليست بمحفز لغروركم ، ولكنكم آليتم على عدم إيمانكم بالقيامة ، فوقعتم بتلك الهاوية الموهمة. (١)
ولو دققنا النظر في حال المغرورين والغافلين ، لرأينا أنّ الشك بيوم القيامة أو إنكاره هو الذي استحوذ على قلوبهم وما دونه مجرّد مبررات واهية ، ومن هنا يأتي لتشديد على أصل المعاد ، فلو قوي الإيمان بالمعاد في القلوب لارتفع الغرور وانقشعت الغفلة عن النفوس.
«الدين» : يراد به هنا ، الجزاء يوم الجزاء ، وما احتمله البعض من أنّه (دين الإسلام) فبعيد عن سياق حديث الآيات ، لأنّها تتحدث عن «المعاد».
وتأتي الآيات التالية لتوضح أنّ حركات وسكنات الإنسان كلّها مراقبة ومحسوبة ولا بدّ الإيمان بالمعاد وإزالة عوامل الغفلة والغرور ، فتقول .. (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) (٢).
وهؤلاء الحفظة لهم مقام كريم عند الله تعالى ودائبين على كتابة أعمالكم : (كِراماً كاتِبِينَ).
(يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ).
و «الحافظين» : هم الملائكة المكلفون بحفظ وتسجيل أعمال الإنسان من خير أو شرّ ، كما سمّتهم الآية (١٧) من سورة (ق) بالرقيب العتيد : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، كما وذكرتهم الآية (١٦) من نفس السورة : (إِذْ يَتَلَقَّى
__________________
(١) «كلا» حرف ردع لإنكار شيء ذكر وتوهم ، لكن ... أي إنكار قصدته الآية؟ ثمة احتمالات عديدة للمفسرين في ذلك ، وأهمها ما ذكر أعلاه ، أي أن «كلا» جاءت لتنفي كل أسباب ومنابع الغرور والغفلة وتجعلها في إنكار القيامة والتكذيب به فقط. وهو ما ورد بعد «بل» وهذا ما اختاره الراغب في مفردات (في مادة : بل) ، وقال بعد ذكره للآية : قيل ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرهم به تعالى ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه.
(٢) قيل : إن «الواو» هنا حالية ، كما في روح المعاني وروح البيان ، ولكن احتمال كونها (استئنافية) أقرب للحال.