إلى نوع من الاستعداد وصفاء القلب والتجاذب المتبادل فليس عجيبا أن يكون هنا أثر معاكس في القلوب الخاملة ، وبمعنى آخر أنّ أعداء الحق المعاندين عند ما يستمعون لدعوة المؤمنين الرساليين يظهرون لهم المقاومة والإصرار على العناد ، وهذا ما يبعدهم عن الله بصورة أكثر ، ويقوي عندهم روح الكفر والنفاق.
وهذا ما أشير إليه في سورة الإسراء (٨٢) : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً).
وما نقرأ كذلك في آيات هذا الكتاب السماوي أنّه سبب لهداية المتقين : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ...). (١) ولهذا لا بدّ أن يكون هناك مرحلة من التقوى في وجود الإنسان وإن كانت ضعيفة ، حتى يتهيأ لقبول الحقّ ، هذه المرحلة هي مرحلة (الروح الباحثة عن الحقيقة) والاستعداد لتقبل كلمات الحق.
ثمّ إنّ نوحا عليهالسلام يضيف : (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً).
ولكي لا يسمعوا صوت الحق كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ، ويلفون ثيابهم حول أنفسهم أو يضعونها على رؤوسهم لئلا تصل أمواج الصوت إلى أدمغتهم! وربّما كانوا يتقنعون لئلا تقع أعينهم على الهيئة الملكوتية لهذا النّبي العظيم ، وفي الحقيقة كانوا يصرون على أن تتوقف الآذان عن السماع والعيون عن النظر!
وهذا في الواقع أمر مدهش أن يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من العداوة للحق إلى حدّ لا يعطي لنفسه فرصة النظر والسماع والتفكر.
وقد ورد في بعض التفاسير أنّ بعض أولئك المعاندين كان يذهب بابنه إلى نوح عليهالسلام فيقول له : إحذر هذا لا يغوينك ، فإنّ أبي قد جاء بي إليه وأنا صغير مثلك
__________________
(١) البقرة ، ٣.