يبدأ أوّلا بالسماء فيقول : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) (١) «
طباقا» : مصدر من باب (مفاعلة) بمعنى «مطابقة» ، وأحيانا تأتي بمعنى وضع الشيء فوق شيء آخر ، وتأتي أحيانا أخرى بمعنى مطابقة ومماثلة شيئين أحدهما مع الآخر ، والمعنيان يصدقان هنا.
وما طبق للمعنى الأوّل أنّ السماوات بعضها فوق بعض ، وكما قلنا في سابقا حسب تفسير السموات السبع فإنّ كل ما نراه من الكواكب المتحركة والثابتة بالعين المجرّدة أو غيرها هي من السماء الاولى ، ثمّ تليها السموات الست الأخرى متطابقة بعضها فوق الأخرى ، ولم يصل علم الإنسان إلى هذه المرتبة فعلا ، ولكن يمكن في المستقبل أن يتطور علم الإنسان فيكشف ما في السموات من عجائب الواحدة بعد الأخرى (٢).
وعلى الاحتمال الثّاني فإنّ القرآن يشير إلى مطابقة وتناسق السماوات السبع في النظم والعظمة والجمال.
ثمّ يضيف : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) (٣).
صحيح أنّ في السماوات السبع مليارات من الكواكب المضيئة والتي هي أكثر ضياء من الشمس ، ولكن ما يهمنا وما يؤثر في حياتنا هي هذه الشمس وكذلك القمر ، هذه المنظومة الشمسية التي تضيء الشمس فيها بالنهار والقمر بدوره ينير الليل.
التعبير بالسراج للشمس وبالنور للقمر هو أنّ نور الشمس ينشأ من ذاتها كالسراج ، وأمّا نور القمر فإنّه ليس من باطنه بل انعكاس لنور الشمس ، ولهذا فإنّ
__________________
(١) «طباقا» : يحتمل أن يكون مفعول مطلق أو حال.
(٢) أوضحنا الكلام في التفاسير المختلفة للسماوات السبع في ذيل الآية (٢٩) من سورة البقرة.
(٣) من هنا أنّ ضمير «فيهنّ» والذي يرجع في الظاهر إلى «السماوات السبع» لا يثير مشكلة لأنّ الخطاب في النور والضياء هو لنا ، لأجل هذا لا يلزم أن نجعل «في» بمعنى «مع» أو نجعل الضمير «هن» بمعنى «السماء الدنيا» (فتدبّر).