والاختلاف بين هذين اللفظين هو أن أحدهما يتعلق بالجوانب العملية ، والآخر بالجوانب العقائدية.
ويستفاد من هذه الآيات أنّ العذاب الإلهي إنّما ينزل بمقتضى الحكمة ، فمن يكن فاسدا ومضللا ولأولاده ونسله لا يستحق الحياة بمقتضى الحكمة الإلهية ، فينزل عليهم البلاء كالطوفان أو الصّاعقة والزلازل ليمحو ذكرهم كما غسل طوفان نوح عليهالسلام تلك الأرض التي تلوثت بأفعال ومعتقدات تلك الأمة الشريرة ، وبما أنّ هذا القانون الإلهي لا يختصّ بزمان ومكان معينين ، فإنّ العذاب الإلهي لا بدّ أن ينزل إذا ما كان في هذا العصر مفسدون ولهم أولاد فجرة كفّار ، لأنّها سنّة إلهية وليس فيها من تبعيض.
ويمكن أن يكون المراد بـ (يُضِلُّوا عِبادَكَ) الجماعة القليلة المؤمنة التي كانت مع نوح عليهالسلام ، ولعل المراد منها عموم الناس المستضعفين الذين يتأثرون بالطواغيت.
ثمّ يدعو نوح عليهالسلام ، لنفسه ولمن آمن به فيقول : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً). (١)
طلب المغفرة هذا من نوح عليهالسلام كأنّه يريد أن يقول إنني وإن دعوة قومي مئات السنين ولقيت ما لقيت من العذاب والإهانة ، ولكن يمكن أن يكون قد صدر منّي الترك الأولى ، فلذا أطلب العفو والمغفرة لا أبرئ نفسي أمام الله تعالى.
هذا هو حال أولياء الله ، فإنّهم يجدون أنفسهم مقصرين مع كلّ ما يلاقونه من محن ومصاعب ، ولهذا تجدهم غير مبتلين بآفات الغرور والتكبر ، وليس كالذين يتداخلهم الغرور عند إتمامهم لعمل صغير ما يمنون به على الله تعالى ، ويطلب نوح عليهالسلام المغفرة لعدّة أشخاص وهم :
__________________
(١) «تبار» : تعني الهلاك ، وقيل الضرر والخسارة.