وأضاف مؤمنو الجن في حديثهم قائلين : (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) وإذ ندعوكم لهدى القرآن فإنّنا ممّن عمل بذلك أوّلا ، ولذا نحن لا ندعو الآخرين إلى أمر لم نكن فاعليه.
ثمّ بيّنوا عاقبة الإيمان في جملة قصيرة واحدة فقالوا : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً).
«بخس» : على وزن (شخص) ويراد به النقص على سبيل الظلم.
«رهق» : على وزن (سقف) يراد به ـ وكما أشرنا من قبل ـ غشيان السيء بالقهر ، وقال البعض : إنّ البخس هو عدم نقصان شيء من حسناتهم ، والرهق : هو عدم إضافه شيء إلى سيئاتهم ، قيل البخس : هو نقص الحسنات ، والرهق : التكاليف الشاقة ، على كل حال فالمراد هو أن المؤمنين مهما يعملوا من عمل كبيرا كان أو صغيرا فإنّهم يستوفون أجور ذلك بلا نقص أو قلّة ، وصحيح أنّ العدالة الإلهية غير منحصرة بالمؤمنين ، لكنّ الطالحين ليس لهم عمل صالح ، فليس هناك ذكر لأجورهم.
وفي الآية الأخرى توضيح أكثر حول عاقبة المؤمنين والكافرين فيقولون : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ (١) فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً). (٢)
(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً).
الملاحظ في الآيات أن كلمة «المسلم» جاءت مقابل كلمة «الظالم» ، وإشارة إلى أن ما يقي الإنسان من الظلم هو الإيمان ، وإذا لم يكن الفرد مؤمنا فإنّه سوف يظلم بأي شكل من الأشكال ، وكذا تشير إلى أنّ المؤمن الحقيقي هو
__________________
(١) «القاسط» من أصل (قسط) وتعني التقسيم العادل ، فإن أتت على وزن (أفعال) ، (أقساط) فإنّها تعني إجراء العدالة ، وإذا استعملت بصورة الثّلاثي المجرّد كما في هذه الآية فإنّها تعطي معنى الظلم والانحراف عن سبيل الحقّ.
(٢) «تحروا» : من أصل تحري وتعني توخيه وقصده.