وهكذا من يتوهّم في نحو قوله : [من الطويل]
أبوك حباب سارق الضّيف برده |
|
وجدّي يا حجّاج فارس شمرا (١) |
أنّه لا فصل بينه وبين أن يقال : «حباب أبوك ، وفارس شمّر جدّي». وهو موضع غامض.
والذي يبيّن وجه الصواب ، ويدلّ على وجوب الفرق بين المسألتين :
أنّك إذا تأملت الكلام وجدت ما لا يحتمل التسوية ، وما تجد الفرق قائما فيه قياما لا سبيل إلى دفعه ، هو الأعمّ الأكثر.
وإن أردت أن تعرف ذلك ، فانظر إلى ما قدّمت لك من قولك : «اللابس الدّيباج زيد» ، وأنت تشير له إلى رجل بين يديه ، ثم انظر إلى قول العرب : «ليس الطيب إلّا المسك» ، وقول جرير : [من الوافر] ألستم خير من ركب المطايا (٢) ونحو قول المتنبي : [من الوافر] ألست ابن الألى سعدوا وسادوا (٣) وأشباه ذلك ممّا لا يحصى ولا يعدّ المعنى على أن يسلم لك مع قلب طرفي الجملة ، وقل : «ليس المسك إلا الطيب» ، و «أليس خير من ركب المطايا إياكم؟» ، «أليس ابن الألى سعدوا وسادوا إياك»؟ تعلم أن الأمر على ما عرّفتك من وجوب اختلاف المعنى بحسب التقديم والتأخير.
__________________
(١) البيت لجميل في مجموع شعره ، وفي اللسان (شمر) ، ويروى في اللسان : وجدّي يا عبّاس فارس شمرا بدل «يا حجاج». وشمّر : اسم فرس.
(٢) البيت في ديوانه (٧٤) من قصيدة في مدح عبد الملك بن مروان. وتمام البيت والبيتان قبله :
فإني قد رأيت عليّ حقا |
|
زيارتي الخليفة وامتداحي |
سأشكر أن رددت عليّ ريشي |
|
وأثبت القوادم في جناحي |
.............. |
|
وأندى العالمين بطون راح |
القوادم : الريش الكبير في الطائر ، المطايا : الركائب ، واحدتها مطية على وزن فعلية ، أندى : أكرم ، من الندى وهو الكرم، والراح هنا الأكف واحدتها : راحة ، الأكف : جمع كف. والبيت في الإيضاح : (١٤٢).
(٣) البيت في ديوانه (٢٤٠) ، وتمامه والبيت قبله :
يريك النزع بين القوس منه |
|
وبين رمية الهدف اللهيبا |
............... |
|
ولم يلدوا امرأ إلا بخيبا |
الألى : الذين ، والاستفهام للتقرير. والبيت في شرح التبيان للعكبري (١ / ١٠٥).