فقوله : «لا ترى» في موضع حال. ومثله في اللّطف والحسن قول أعشى همدان ، وصحب عبّاد بن ورقاء إلى أصبهان فلم يحمده فقال : [من الوافر]
أتينا أصبهان فهزّلتنا |
|
وكنّا قبل ذلك في نعيم |
وكان سفاهة منّي وجهلا |
|
مسيري ، لا أسير إلى حميم (١) |
قوله : «لا أسير إلى حميم» ، حال من ضمير المتكلم الذي هو «الياء» في «مسيري» ، وهو فاعل في المعنى ، فكأنه قال : وكان سفاهة منّي وجهلا ، أن سرت غير سائر إلى حميم ، وأن ذهبت غير متوجّه إلى قريب : وقال خالد بن يزيد بن معاوية : [من الكامل]
لو أنّ قوما لارتفاع قبيلة |
|
دخلوا السّماء دخلتها لا أحجب (٢) |
وهو كثير إلّا أنه لا يهتدي إلى وضعه بالموضع المرضيّ إلا من كان صحيح الطّبع.
ومما يجيء بالواو وغير «الواو» ، الماضي ، وهو لا يقع حالا إلا مع «قد» مظهرة أو مقدّرة. أما مجيئها بالواو فالكثير الشائع ، كقولك : «أتاني وقد جهده السير» ، وأما بغير «الواو» فكقوله : [من البسيط]
متى أرى الصّبح قد لاحت مخايله |
|
واللّيل قد مزّقت عنه السّرابيل (٣) |
وقول الآخر : [من الوافر]
فآبوا بالرّماح مكسّرات |
|
وأبنا بالسّيوف قد انحنينا (٤) |
وقال آخر ، وهو لطيف جدّا : [من الكامل]
يمشون قد كسروا الجفون (٥) إلى الوغى |
|
متبسّمين وفيهم استبشار |
ومما يجيء بالواو في الأكثر الأشيع ، ثم يأتي في مواضع بغير «الواو» فيلطف مكانه ويدلّ على البلاغة ، الجملة قد دخلها «ليس» تقول : «أتانى وليس عليه ثوب»
__________________
(١) البيتان في مجموع شعر الأعشية (٣٤١) ، وغير متتابعين وهما في الإيضاح (١٦٦) ، والإشارات (١٣٨) ، والتبيان لابن الزملكاني (١٢٢) ..
(٢) البيت في الإيضاح (١٦٦) ، والإشارات والتنبيهات (١٣٨) ، والبيت منسوب لخالد بن زيد بن معاوية من أحفاد معاوية بن أبي سفيان وكان عالما فيلسوفا كما في الإشارات والتبيان.
(٣) البيت لحندج بن حندج المري ، وهو في الإيضاح (١٦٦).
(٤) البيت في شرح الحماسة للتبريزي (٢ / ٢٢٩ ، ٢٣٤).
(٥) قوله : يكسرون أغماد السيوف كناية عن استقبالهم للحرب وهي صفة من صفات الخوارج والجفون مفردها الجفن وهو غمد السيف.