و «رأيته وليس معه غيره» ، فهذا هو المعروف المستعمل ، ثم قد جاء بغير «الواو» فكان من الحسن على ما ترى ، وهو قول الأعرابي : [من الرجز]
لنا فتى وحبّذا الأفتاء |
|
تعرفه الأرسان والدّلاء |
إذا جرى في كفّه الرّشاء |
|
خلّى القليب ليس فيه ماء (١) |
ومما ينبغي أن يراعى في هذا الباب : أنك ترى الجملة قد جاءت حالا بغير «واو» ويحسن ذلك ، ثم تنظر فترى ذلك إنّما حسن من أجل حرف دخل عليها. مثاله قول الفرزدق : [من الطويل]
فقلت عسى أن تبصريني كأنّما |
|
بنيّ حواليّ الأسود الحوارد (٢) |
قوله : «كأنما بنيّ» إلى آخره ، في موضع الحال من غير شبهة ، ولو أنك تركت «كأن» فقلت : «عسى أن تبصريني بنيّ حوالي كالأسود» ، رأيته لا يحسن حسنه الآن ، ورأيت الكلام يقتضي «الواو» كقولك : «عسى أن تبصريني وبنيّ حوالي كالأسود الحوارد».
وشبيه بهذا أنك ترى الجملة قد جاءت حالا بعقب مفرد ، فلطف مكانها ، ولو أنك أردت أن تجعلها حالا من غير أن يتقدمها ذلك المفرد لم يحسن ، مثال ذلك قول ابن الرومي : [من السريع]
والله يبقيك لنا سالما ، |
|
برداك تبجيل وتعظيم (٣) |
فقوله : «برداك تبجيل» ، في موضع حال ثانية ، ولو أنك أسقطت «سالما» ، من البيت فقلت : «والله يبقيك برداك تبجيل» ، لم يكن شيئا.
وإذا قد رأيت الجمل الواقعة حالا قد اختلف بها الحال هذا الاختلاف الظاهر ، فلا بدّ من أن يكون ذلك إنّما كان من أجل علل توجبه وأسباب تقتضيه ، فمحال أن يكون هاهنا جملة لا تصلح إلا مع «الواو» ، وأخرى لا تصلح فيها «الواو» ، وثالثة تصلح أن تجيء فيها «بالواو» وأن تدعها فلا تجيء بها ، ثم لا يكون لذلك سبب وعلّة ، وفي الوقوف على العلّة في ذلك إشكال وغموض ، ذاك لأنّ الطريق إليه غير
__________________
(١) الأفتاء : جمع فتي بتشديد الياء وهو الشاب ، والأرسان : الحبال. والرشاء : حبل الدلو. والقليب : البئر.
(٢) لم أعثر عليه في ديوانه (طبعة دار صادر) ، وهو في الإيضاح (١٧١). الحوارد : جمع حارد وهو المهيب المنظر من حرد إذا غضب.
(٣) البيت في ديوانه ، والإيضاح (١٧١).