أنّ إخوتكم قريش» ، وذلك يخرج إلى المحال ، من حيث يصير كأنه يستشهد بقوله : «لهم إلف» ، على أن هذا الزعم كان منهم ، كما أنك إذا قلت : «كذبتم فلهم إلف» ، كنت قد استشهدت بذلك على أنهم كذبوا ، فاعرف ذلك.
ومن اللطيف في الاستئناف ، على معنى جعل الكلام جوابا في التقدير ، قول اليزيديّ : [من السريع]
ملّكته حبلي ، ولكنّه |
|
ألقاه من زهد على غاربي |
وقال إني في الهوى كاذب ، انتقم الله من الكاذب (١) استأنف قوله : «انتقم الله من الكاذب» ، لأنه جعل نفسه كأنه يجيب سائلا قال له : «فما تقول فيما اتّهمك به من أنك كاذب؟» فقال أقول «انتقم الله من الكاذب».
ومن النادر أيضا في ذلك قول الآخر : [من الخفيف]
قال لي : كيف أنت؟ قلت : عليل ، |
|
سهر دائم وحزن طويل (٢) |
لما كان في العادة إذا قيل للرجل : «كيف أنت؟» فقال : «عليل» ، أن يسأل ثانيا فيقال : «ما بك؟ وما علتك» ، قدّر كأنه قد قيل له ذلك ، فأتى بقوله : «سهر دائم» جوابا عن هذا السؤال المفهوم من فحوى الحال ، فاعرفه :
ومن الحسن البيّن في ذلك قول المتنبي : [من الوافر]
وما عفت الرّياح له محلّا ، |
|
عفاه من حدا بهم وساقا (٣) |
__________________
(١) البيتان أوردهما القزويني في الإيضاح (١٥١) ، وعزاهما لليزيدي ، والطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ٨٧) ، وعقود الجمان (١٧٦) ، إلقاء الحبل على الغارب : كناية عن الإهمال ، واليزيدي : عالم شاعر راوية توفي سنة (٢٩٢ ه) ، والبيتان في الأغاني لإبراهيم بن المدبر الشاعر الكاتب العباسي.
(٢) البيت أورده القزويني في الإيضاح (٣٨ ، ١٥٦) ، وهو بلا نسبة في التبيان للطيبي (١ / ١٤٦) ، ومعاهد التنصيص (١ / ١٠٠) ، والإشارات والتنبيهات (٣٤) ، وشرح المرشدي على عقود الجمان (١ / ٥٢) ، والشاهد من قوله : «عليل» لأن التقدير : أنا عليل ، وفي قوله : «سهر دائم» لأن التقدير : حالي سهر دائم والحذف فيه للاختصار والاحتراز عن العبث مع ضيق المقام بسبب الضجر.
(٣) البيت في ديوانه (٢ / ٤٠) ، من قصيدة في مدح سيف الدولة وقد أمر له بفرس وجارية ، وقبله :
أيدري الربع أي دم أرقا |
|
وأي قلوب هذا أكبر لب شاقا |
لنا ولأهله أبدا قلوب |
|
تلاقى في جسوم ما تلاقى |
والبيت أورده القزويني في الإيضاح (١٥٧) ، والسكاكي في المفتاح (٣٧٣). عفت : محت ، محلا : مكانا ، الحادي : من يسوق القافلة.